من يصمد حتى النهاية؟

من يصمد حتى النهاية؟

سناء جبر

منذ أيام مضت مثقلة بأخبار الغياب والفقدان، وبيت الشعر البائس حرفه وصاحبه (ما أكثر الإخوان حين تعدهم لكنهم في النائبات قليل) يتكرر في البال. فأجده يحاكي ما نعيشه بطريقة أو بأخرى ، يلامس الجرح ويلدغ موضع الالم مجددا. فأيامنا حبلى بالتجارب والخبرات، وكذلك هناك المفاجأت التي لا يشترط فيها أبدًا أن تحمل الاخبار السارّة الباعثة على الفرح، فكل ما نسمعه مؤخرًا يفيض بالوجع والفقدان والخيبة والتحسّر، نفقد المحبين وننسى أنفسنا معهم ، حتى إذا ما حاولنا استرجاعها ولو لبرهة قصيرة فعبثًا نحاول ، يا الله، كم عانى صاحبنا الشاعر حتى نفث صدره هذه الكلمات الملأى بالأسى، بلغت تنهيداته عنان السماء فوصل لهذه النتيجة بما فيها من سوداوية ويأس وما يغلفها من إحباط وأسى ، تركوه منفردًا وحيدًا يعارك دنياه ومبغضيه، تخلوا عنه عندما احتاجهم سندًا وردفًا وعونًا ، أنكروه لما عركته ظروف الحياة وداهمته على حين غفلة منه ، والأدهى من كل ذلك أن منهم من تسبب بنزفه وأثخنوا فيه الجراح. كم منا من يوافق صاحبنا ويرثي حاله ويستذكر مواقف ومحطات من حياته، يلتفت من حوله ليجد نفسه خلوًا من كل أخ وصديق ، يواجه معترك الحياة منفردًا بلا عون ، خاليًا أعزل من دون قوة ولا مدد .للأسف الشديد ، هم كثر لا عدد يختزل بهم، ولا وصف يفي بحالهم. ولذلك، نتوجه إلى الله ضارعين دومًا: (ربِّ لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين) .
ليس منا من يدعي القوة والعظمة التي تغنيه عن الإخوة المحبين تشعر بقلوبهم تجتاحك بقوة وعنف، مشاعرهم واندفاعيتهم، تشعر بهم سندًا تستند إليه عندما تميل أو تشعر بوهن ، تسألهم النصيحة فيَصدُقونها ، ويشاركونك وجعك قبل فرحك ولا يبحثون عن أعذار واهية للغياب ، تبحث عن نفسك في أولوياتهم فتجد نفسك متربعًا في الصدارة، لا يتذرعون بضيق الوقت ولا الانشغال بهموم الحياة. تحتفل بوجودك معه وتحتفي، وتزهو بوقوفه معك جنبًا إلى جنبٍ، هو ذاته من قيل فيه: (رب أخ لك لم تلده أمك).

ومن العدل والإنصاف أن نحيط بالمتقابِلَيْن معًا وبالأضداد كذلك، وتختبر نفسك لتعرف إلى أي من الفريقين تنتمي فتعزي نفسك أو تهنئها، وتبدأ من جديد في التعامل مع من يحيط بك بالأسلوب الذي يمليه عليك شخصه؛ فمنهم من يعد نفسه صديقًا وهو لا يعدو كونه تكملة عدد في قائمة بحاجة ماسة وملحة للتعديل والتصفية، ومنهم من يتصف بالصدق والأصالة فحافظ عليه وكن له أخًا وصديقًا فهو من سيخطو معك حتى الخطوة الاخيرة في الدرب الطويل الصعب المبهمة مسالكه والدامس ليله ، وسيكون الجذوة المتقّدة لك فيغامر بنفسه قبل أن تبدأ فتقع. لن يهمه أي أذى قد يتعرض له، كل ما يهمه في تلك اللحظات أن يمسك بيديك، يقبض عليهما بكل ما أوتي من حب وقوة متيقنًا أنه لن يفلت من تلك القبضة حتى يصل بك بر الأمان فتقرّ عينك ويهنأ قلبك ويصفو ذهنك . تخيروا رفقاء الدرب بذكاء وإحساس صادق ولا تنزعجوا لمن يسقط منهم في منتصف الطريق فلا يسقط من الثمر قبل أوانه إلا المريض الفج وحالهما سيّان .

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى