في الإرشاد إلى سبيل الرشاد (9) / عبد اللطيف مهيوب العسلي

في الإرشاد إلى سبيل الرشاد (9)
براءة الدين الحق من الطاغوت.
الدين الحق هو محصلة المحبة الصدق والعدل والرشد والإيمان والتصديق ،
بينما ان الطاغوت هو محصلة الكذب والتكذيب والظلم .
ولذلك فالدبن الحق برئ من الطاغوت ، فلا يؤاكله وﻻ يشاربه ، وﻻ يجالسه ، وﻻ يحادثه ، وﻻ يقابله، وﻻ يقاربه ، وﻻ يجاوره ، وﻻ يناظره
، وﻻ يؤازره ، وﻻ يصالحه ، وﻻ يسالمه .
فهما متضادان فلا يستويان وﻻ يجتمعان .

ولا يمكن أن يحظى الطاغوت بالقبول إلا من خلال القوة المعنوية والقوة المادية، فالانسان بطبعه لا يقبل بتسلط إنسان عليه، لكن قد يجبر على ذلك. ومن أسوأ وأقذر وأقبح تبرير ذلك هو أن إنساناً ما قد تميز عن البشر وأصبح إلهاً أو أن الله فوضه في ملكه لأن يكون خليفته في الأرض وأن أقواله وأفعاله هي أقوال الله وأفعاله. وبالتالي فإن معارضته هي معارضة لله.

ولاشك أن ذلك يخالف حقيقة الله وما أمر به وحقيقة عباد الله المخلصين الذي يبلغون رسالة الله الى الناس والتي هي ضد الطاغوت والطواغيت. فالطاغوت هو من يجبر غيره على فعل امر لا يقدر عليه ولايرغب فيه. انه الاكراه بكل انواعه، فالله سبحانه وتعالى لايجبر الانسان على فعل امر ليس له فيه فائدة حالية او مستقبلية وضد ارادته.

وبما أن من ادعى أن يكون إلها أو أنه ابن للاه أو أنه خليفة له فإن الواقع يكذبه، فهو يتمتع بكل صفات البشر ولاشيء اكثر من ذلك، ولأن الله يفضحهم باستمرار من خلال كتبه
ورسوله .

مقالات ذات صلة

* جعل الله الدين الحق هو الدين المشروط بعد الكفر بالطاغوت فشرط الإيمان بالله هو الكفر في الطاغوت فإذا سقط هذا الشرط سقط الإيمان بكامله واﻷجدر أن يسمى من آمن بالله ولم يكفر بالطاغوت (دين الطاغوت ). قال تعالى :
:[لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(257)]. وقد أراد الله ان ألايجتمع القران والطاغوت. ولذلك فان محاولات تسويق الحاكم الإله او ابن الإله قد فشلت في المجتمعات التي وصلها القرآن قبل ان تفشل وتختفي في المجتمعات الاخرى.

إن اجتناب الطاغوت و كل ما يترتب عليه من ممارسات هو الذي سوف يبين الغي من الرشد . و في هذه الحالة فانه سيجعل المدينين بدين الله متمسكين بالعرة الوثقى التي لا
انفصام لها.ما يجعلهم متميزين على غيرهم وذلك حين يلتزمون ذلك، فقد يكون الدين حق وصحيح والمدينين به غير صادقين فيعمدون الى ممارسة الطغيان تحت ستار الدين ونصوصه ، فلا يمكن الفصل بين الدين والمدنيين به ، ولذلك النصوص الدينية أشبه بالدستور ليقاس عليها من اوفى بها ومن لم يف .
..
* إن الغاية القصوى من التدين هو تحقيق الرشد و الاستمساك بالعروة الوثقى يعني التخلي عن الممارسات الطاغوتية و احلالها بممارسات العدل و الاحسان بحزم و صرامة حتى لا يحدث اي انفصام – اي انقطاع و انكسار – في الحاضر و المستقبل. فمن الممارسات الطاغوتية القبول بازدواج المعاير و المجاملة.

ومما يوضح هذه اﻷزدواجية
..ما حكاه الله لنا عن بني اسرائيل حين كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون انفسهم قال تعالى:
(( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون .)) البقرة .

و نظرا لأهمية ذلك فقد اوصى الله رسوله بذلك اذ يقول تعالى في سورة هود ” فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112). و يقول كذلك في نفس السورة ” وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ (113).

* والدين الحق ينهى طغيان الميزان
ألا تطغوا في الميزان. ..
قال تعالى ”:
الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) الرحمن. .
.
*.التعايش مع الطاغوت ..
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (51) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52). أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54). النساء.

ويتضح لنا أن الدين الذي أرتضاه الله لعباده يشدد على المفاصلة الكاملة والمقاطعة التامة بينه وبين الطاغوت .
ويتضح كذالك أن الدين الحق وقاية من الطاغوت ، وفاضحا له ولذلك اشتملت الآيات على الكثير من التفاصيل.
كما يتبين لنا أن الطاغوت نوعان ، او مركب من نوعين:
النوع الاول، الطاغوت الفكري او العقائدي او الايديولوجي. أما الثاني فهو الطاغوت السياسي، اي القوة المادية اي العسكرية والاقتصادية. فبدأ الله في القران بدحض الطاغوت العقائدي.
ومن اجل ذلك فان الله سبحانه قد دحض حجج من يمارس الطاغوت على اعتبار ان ذلك يحبه الله او يقره في كثير من اﻵيات. فلا خالق إلا الله وبالتالي لايستحق العبادة اي الطاعة الا الله ويستحقها لانه المالك الحقيقي لهذا الكون ولانه لايأمر الناس الا ما يفيدهم في الدنيا والاخرة. ولقد ارسل المرسلين ليوضحوا للناس ما يحبه منهم وان لايطيعوا من استخدموا الله كوسلية للتآمر على عباده بغير الحق. يقول الله تعالى في سورة النحل:[أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(1)يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ(2
وﻷن العدل هو أمر الله الفصل الذي من أجله خلق الخلق وأرسل الرسل وأنزل الكتب فقد أمر الله سبحانه وتعالى في نفس السورة عباده الصالحين أن يلتزموا به ويلتزموا الإحسان، وأن ينتهوا عن الفحشاء والمنكر والبغي قال تعالى :
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)) النحل.

يلي ذلك موضوع :
الإيمان المشروط بعد الكفر بالطاغوت .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى