مش قلتلك ومش قلتلكوا …

مش قلتلك ومش قلتلكوا …
نصر شفيق بطاينه

الانسان بطبيعته يحب معرفة الغيبيات اذا أمكن وما يخبئه له المستقبل أو القدر من خير او شر , ولقد كان للمتنبئين والكهنة فيما مضى دور كبير في حياة الناس واقبالهم عليهم لمعرفة طالعهم أو معرفة ما يخبئه القدر او البشر لبعضهم البعض ويأخذها كمسلمات , حتى جاء الاسلام ومنع الجن من استراق السمع او ارتياد السماء والعودة بالأخبار ومن يحاول يجد له شهابا رصدا .
في عصرنا هذا وفي ظل صراع الدول والمنافسة فيما بينها اخذت الدول تتجسس على بعضها البعض وبسبب التقدم التكنولوجي اصبح العالم كتاب مفتوح ولا يوجد به اسرار الا ما ندر عند بعض الدول الكبرى , الدول الصغيرة او الفقيرة او ما يسمى العالم الثالث لا يوجد لديها اسرار البته من جهة الدول الكبرى فهي اكثر من كتاب مفتوح لأنها اصلا قائمة على نفحات الدول الكبرى في كل او جل المجالات …الحقيقة لم يعد هناك سرا على الاطلاق , فقط السر في الفكرة او الكلام الذي لم تقله بعد ولا يزال في فكرك …والحدث الذي لم يحدث بعد …
الدول الصغيرة تتشاطر فيما بينها تحاول عمل اسرار وخفايا عن بعضها البعض ولكن تأتي الدول الكبرى وتفضح الطابق .
الدول الصغيرة ودول العالم الثالث تحاول التذاكي على شعوبها وتحاول اخفاء المعلومات وخططها فيما يخص الضرائب والرسوم وتعيينات واقالات الحكومة اوحل مجلس النواب والموظفين وخاصة الفئات العليا والقرارات الصعبة التي تمس حياة المواطنين اليومية ليتفاجأ بها المواطنين واحيانا يحدث رد فعل قد يكون سلبي وبحسب نوع القرار .
يبدو ان الحكومات او اصحاب القرار اكتشفوا ان تسريب المعلومة عن القرار المنوي اصداره هو افضل طريقة لتبريد ردود الفعل ومنها ايضا اشاعة معلومة عن قرار لقياس رد فعل الشارع بالقبول او الرفض وعليه يتم الاقرار او يلغى او يؤجل .
المواطن العربي عموما والاردني خصوصا مولع ومغرم بمعرفة الشأن القادم من تعيين او ضريبة او اقالة وما ان يسرب هكذا خبر وفي ظل فقدان الثقة بين المواطنين والحكومات واذا به ينتشر بسرعة البرق او كالنار في الهشيم ( يا بنت قولي لأمك ) بين المواطنين خاصة في ظل وسائل التواصل الاجتماعي ( التباغض الاجتماعي ) حتى ولو كان اشاعة وغير حقيقة والكل يحاول جاهدا نقل المعلومة التي وصلته واعتبارها سرا كبيرا وعظيما حصل عليه ولا بد من تفريغه للآخرين وعمل بطولة زائفة في انه واصل ويعرف ادق الاسرار او مخترق بعض الجهات , ولا يعرف انها خطة لتبريد الرأي العام , وبعد مدة عندما يصدر القرار او المعلومة المتداولة يكون رد الفعل من الطرف الاول حسب اللفظ مش قتلك او مش قتلكوا .. ويكون جواب الطرف الثاني ايه محنا عارفين من زمان ومتوقعين وينتهي رد الفعل هنا ونوكل القرار بما فيه من مر او معاناة ونكتفي بالمعرفة المسبقة على اعتبارها بطولة فزنا بها .
وهكذا كثير من الذين يبثون المعلومات الكاذبة او الصادقة احيانا ما هم الا ابواق تبث ما يراد منهم بثه سواء بعلمهم او بدون ويعتبروا انفسهم انهم مخترقين منظومة القرار وحصلوا على هذا السبق في المعلومة ولا يعرفوا انهم ابواق ووسيلة لإيصال المعلومة المراد بثها لسبب او لأخر وتهيئة الجمهور لها وحتى يستقبلها ببرود على اعتبار انه يعرف ( ابو العريف ) وينتهي المشهد ب مش قتلك ومش قتلكوا .. ايه محنا عارفين …
في معرض تهنئة احد المواطنين وهو من الاقتصاديين السابقين والمتقاعدين لرئيس مجلس النواب وقال له مبروك ودوزن مقعدك ما انا عارف خبر تعيينك قبل ثلاثة اشهر , معتبرا ذلك انه يملك مفتاح الخبر وسره وجاب الذيب من ذيله …الشعب الاردني بدوره ضحك , ضحك آوي الشعب الاردني طبعا عارفين ليش ضحك … ولا يعرف انه اداة لتوصيل المعلومة ولا بد انه مررها الى كل اقاربه ومعارفه وعند ثبوتها قال لهم مفتخرا مش قتلك ومش قتلكوا ولا بد ان الجواب ايه محنا عارفين ..
ذكرت في مقال سابق ان وزارة المياه قررت الغاء ضريبة القيمة الثابتة على فاتورة المياه لإزالة التشوهات وتحقيق العدالة بين المحافظات ولا زيادة على أسعار المياه ,وبدأت التصريحات وتهيئة المواطنين منذ منتصف العام وطبقت اعتبارا من فاتورة الربع الرابع ومن وقتها ونحن غير مقتنعين بأن هناك ضرائب ترفع عن المواطن وتداولنا الموضوع فيما بيننا كمواطنين وقلنا لا بد ان في الامر سرا او خدعة وبتنا نترقب حتى صدرت الفاتورة وعند مقارنتها بالفاتورة السابقة اكتشفت ان هناك زيادة في اسعار المياه ولم اتمالك نفسي بعد منتصف الليل ولم استطع الانتظار حتى الصباح واتصلت بأبو العبد وخبرته الخبر اليقين وقلت له مش قتلك في زيادة على اسعار المياه واجابني بأريحية محنا عارفين جماعتنا يا عمي ….طبعا وبعدها نمت مرتاح ونومة هادئة لم انم مثلها منذ ازالة تشوهات فاتورة الطاقة …
الآن في مناقشة بيان الحكومة وحسب معرفتنا وخبرتنا السابقة مع الحكومات والبرلمانات ان مجلس النواب سوف يعطي الثقة للحكومة وهذا من المسلمات واحب ان احيطكم علما انه اذا سمعتم صوت عالي او ضجة كبيرة تدوي في الارجاء بعد الانتهاء من التصويت على الثقة مباشرة وفوز الحكومة بها , ( من يعرف هذا مصدر الصوت يا ترى ؟! ) ….. لا تخافوا او تقلقوا انه صوت الشعب الاردني بخيله وخيلائه… القسم الاول يصيح مش قتلك .. ومش قتلكوا .. والقسم الثاني يرد محنا عارفين ….وينتهي المشهد ويسدل الستار على مزيد من الضرائب والرسوم وخيبة الامل , انا الآن بريت ذمتي وقتلكوا ولا تفقسوني وتقولوا محنا عارفين ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى