مرة أخرى، البحث العلمي في جامعة اليرموك: واقع وتطلعات

مرة أخرى، #البحث_العلمي في #جامعة_اليرموك: واقع وتطلعات

الأستاذ الدكتور #محمد_تركي_بني_سلامة
يعد البحث العلمي اللبنة الأساسية والركيزة الأهم من ركائز تصنيف الجامعات، كما ويعتبر البحث العلمي البوابة الرئيسية للدولة والمجتمع لتحقيق التنمية الاقتصادية والتنمية الإنسانية الشاملة والمستدامة. وتلعب الجامعات الدور الأكبر في تحقيق هذه الأهداف لكونها تضم عقول الدولة ونخبها الفكرية العلمية والثقافية، وتعتبر بيوت خبرة ومصانع لقادة المستقبل، ولذلك تسعى الدول بما لديها من إمكانيات من أجل تطوير مؤسساتها التعليمية وبنيتها التحتية، وذلك لما لها من أهمية بالغة في التطوير والازدهار والتنمية والاستقرار، وبناء على ما سبق يمكن الاستنتاج أنه لا تنمية ولا تطور ولا ازدهار واستقرار بدون بحث علمي.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الجامعات لتحسين تصنيفها في جدول التصنيفات العالمية من أجل القدرة على الاستمرار والبقاء والمنافسة في عالم لا مكان فيه الا للأقوياء والمتميزين، فإن هناك أكثر من تساؤل يطرح في هذا السياق، وهو كيف تدير قيادات الجامعات ملف البحث العلمي؟ وهل تراجع باستمرار أنظمتها وتعليماتها وخططها الاستراتيجية، طالما أنه لا خلاف على أهمية البحث العلمي وضرورته؟ وهل جامعاتنا الأردنية العتيدة تمثل بيئات داعمة للبحث العلمي والريادة والابتكار ام طاردة للكفاءات ومحاربة للعلم والعلماء؟
من خلال خبرتي المتواضعة في هذا المجال بخدمة قاربت على العشرون عاماً، نشرت خلالها ما يزيد عن 50 بحث علمي باللغتين العربية والانجليزية في مجلات اردنية وعربية عالمية، بالإضافة إلى 4 كتب علمية، فإنني أزعم أن هناك الكثير من الاعوجاج في التعليمات التي تنظم البحث العلمي في جامعة اليرموك، اذكر منها على سبيل المثال:
1- انخفاض قيمة الحوافز التي تقدمها الجامعة للباحثين مقارنة بما تقدمه الجامعات الأخرى، علماً أن موازنة البحث العلمي فيها فائض مالي، وبالتالي لا يمكن تبرير ذلك الانخفاض في الحوافز الممنوحة بحجة صعوبة الأوضاع المالية للجامعة، علما انه عدم صرف الأموال لا تستفيد منه الجامعة حيث يذهب الفائض لصندوق دعم الابتكار التابع لوزارة التعليم العالي؟
2- تغطي الجامعة رسوم النشر العلمي بواقع 300 دينار لكل بحث مقبول في مجلة مصنفة في قواعد البيانات العالمية مثل سكوبس (Scopus) او غيرها، ودون التمييز درجات تصنيفها (Q1 – Q2 – Q4) ، ووفق المثل الشعبي الأردني ” الحولي بسعر امه “.
3- إن عدم التمييز بين المجلات المصنفة في قواعد البيانات لا يتوقف عند مسألة الحوافز المالية، وإنما يتجاوزها الى الترقيات الأكاديمية، حيث تحسب لطالب الترقية 3 نقاط للنشر في مجلة مصنفة في قواعد البيانات وبغض النظر عن درجة تصنيفها (Q1 – Q2 – Q4) ، ومرة أخرة الحولي بسعر أمه ، وهنا اود الإشارة الى ان الجامعة تخصص 4 و5 نقاط للمجلات التي لديها معامل تأثير ، وتفترض ان المجلات المصنفة Q1 – Q2 لديها حكما معامل تأثير، وهذا افتراض خاطئ ولا يستند الى منطق او أساس علمي سليم .
4- تقدم الجامعة رسوم نشر بواقع 3 مرات للباحث الواحد / في العام الواحد، سواء ذهبت هذه الرسوم للنشر في مجلات محلية أو أجنبية، علماً أنه لا يوجد الا مجلة محلية أردنية واحدة تنشر أبحاث باللغة العربية ومصنفة بقواعد البيانات وهي مجلة دراسات التي تصدر عن الجامعة الأردنية، ومرة أخرى الحولي بسعر أمه.
5- كانت الجامعة تقدم جوائز سنوية للباحثين المتميزين فيها وذلك ضمن تعليمات وشروط واضحة، وسبق وتم منح الجائزة أكثر من مرة، ولكن وللأسف تم إيقاف العمل بهذه التعليمات بحجة تطويرها ومعالجة أوجه القصور فيها، وقد مضى على هذا الوقف 3 سنوات، فلم يتم اصدار تعليمات جديدة وبنفس الوقت لم يتم العودة الى التعليمات القديمة وتفعليها، مما شكل انتكاسة لأمال الباحثين المتميزين وكرس واقع ” الحولي بسعر امه ” وهذا يعكس قيمة البحث العلمي والعلم والعلماء في نفوس وعقول القائمين على الجامعة والبحث العلمي.
هذه أمثلة بسيطة أقدمها على عجالة، وهناك أمثلة أخرى كثيرة تدل على عدم الاهتمام بالبحث العلمي وعدم منحه الأولوية المطلوبة ، والرعاية اللازمة، فالملف كبير ومزدحم بالنقاط التي تحتاج إلى معالجة، وأذكر أنني تقدمت باقتراحات لتطوير البحث العلمي، والتي أقرت من قبل مجلس كلية الآداب قبل ما يزيد عن عام ، وتم رفعها إلى عمادة البحث العلمي، ولكن وللأسف وجدت طريقها إلى سلة المهملات، قبل ان تصل طريقها الى أصحاب القرار، وفي مقابلة شخصية مع رئيس الجامعة الحالي تم تسليمه المقترحات شخصيا باليد ، وطرحت عليه فكرة استحداث رتبة الأستاذ المتميز (Distinguished Professor)، تمنح لمن وصلوا رتبة الأستاذية ضمن شروط معينة لتحفيزهم على الاستمرار في البحث العلمي، حيث أعجب رئيس الجامعة بالفكرة ووعد بعمل ورشة حول الموضوع، ولكن وللأسف لم ينفذ الوعد.
بصراحة يجب ألا نستغرب او نفاجئ إذا ما تراجع تصنيف الجامعة طالما أنها تدار بطريقة لا تعطي للبحث العلمي الأهمية التي يستحقها، وطالما أنها لا تقدر ان البحث العلمي والتنمية متلازمان، او وجهان لعملة واحدة، وطالما أنها لا توفر للباحثين الحوافز اللازمة والبيئة المناسبة لتحفيزهم، وعلى العكس بعض الجامعات للأسف طاردة للكفاءات وأصحاب المواقف والآراء المختلفة.
أخيراً، أدعوا القائمين على التعليم العالي في بلادنا أن يكون محور البحث العلمي جزء من معايير تقييم رؤساء الجامعات، وكذلك جزء من معايير الدعم الحكومي المالي المقدم للجامعات، وهو محور سهل القياس من خلال النظر إلى عدد الأبحاث العلمية المنشورة في كل عام في المجلات المصنفة دولياً، فلا يصح أن يكون الدعم الحكومي للجامعات على أساس القول المأثور (الحولي بسعر أمه) بدون تمييز بين الجامعات الرائدة في البحث العلمي وتلك النائمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى