نجوم مبعثرة على الطريق / ماجدة بني هاني

نجوم مبعثرة على الطريق
على الطريق العام …رجل …يحث الخطى ، يسبقه فقره ، وتحف به حاجته ، وتشي ثيابه الرثة عما فعلت به سنون عجاف …
تحوم حوله أفكاره كعصافير السنونو ، وألف كلمة عتاب لدنيا ما أنصفته يوما ، وفي عينيه التماعة الشقاء ، ورقة مغلفة بالأسى …
على الرصيف المقابل …أنثى … تحث الخطى في عجالة ، تلتهمها المسافات كما التهمت السنوات أجمل سني عمرها ، ونالت من حسنها ، لكنها ما زالت تحتفظ بشئ من ألقها ….
عند الإشارة الضوئيه ، بجبر المارون على التوقف ، قليل من الزمن ، كثير من الشجن ، وثوان حبلى بالمفاجأة …..
الإشارة شاهدة عصر ، عندها تستعرض الطبقية أزياءها .!!!
في الوقت الذي يقف فيه البسطاء والفقراء يركبون أقدامهم ، تقف سيارات فارهة ، عالية ،يركبها أغنياء بنظارات شمسية ، كثيفة ….
السيارات مصممة كي لا يرون الناس على مستواهم ، فالرؤية منها …هكذا …تكون من الأعلى إلى الأدنى !!
والنظارة تجعلهم يرون الناس بغير ألوانهم ، فللغنى ألوانه الراقية ، وللفقراء أبشعها !!
او ربما منظر الغلابى يستفزهم ، ويذكرهم بحق الفقير في مال الغني ، وهذة حقيقة شرعية مفزعة !!
ما بين بين …سيارات متواضعة ، موديلات قديمة ، اجتهد أصحابها لاقتنائها ، حتى لو كانت بقرض بنكي مجحف ، أو بثمن باهظ ، على حساب لقمة العيال ….
وينتهي العرض المقيت مع انتقال لون الإشارة ، وينطلق كل منهم إلى غايته .
تستغرق الأنثى في خواطرها، فتستيقظ على زامور طويل…
تخرج من تأملها ، وترسل بصرها ، ثمة مفاجأة ….وثمة عينين تحملق فيها بدهشة …لقاء بعد طول غياب ، وجمت …وبلا شعور انساب سيل من النجوم من عينيها ، تبعثرت على جادة الطريق ….
ورغم قتامة المكان وبشاعة العرض …إلا أن هناك قطر من الندى وزهور ملأت المكان ، على غير موعدها …هكذا رأت أو ربما تخيلت …
أواه ..كيف يمكن للزمن أن يختزل في بضع ثوان ، وكيف يمكن للغياب العودة …بلا سابق إنذار ..
على الطرف الآخر تمسمر الرجل في مكانه ، وذاب في ثيابه كقطعة من الثلج ، أشعلها الحنين …
ويلي ، وتلك العينان ما زالت تطاردني ، وتلك الدمعة العالقة تعاتبني : لماذا أبعدتني ؟ وكيف من السهل أن تنزع روحا سكنت روحك ؟؟.كيف استطعت …وكيف …وكيف….
لو تعلمين كم ندمت على ذاك الغباء !!
وكم أكلت أناملي ، وكم أشعلت قلبي وأطفأت، وكم انكسرت بعدك وكم نمنيت …وراحت أمانيي أدراج الرياح ….
ولكن كيف كان لي أن أخذ يدك بيد عاجزة! وكيف أطاول مغانيك بيد قصيرة ! ماذا كنت سأعطيك غير الشقاء ؟ !
ألا يستحق معصمك سوارا من ذهب مثل كل النساء ، وأنت زين النساء ، ومالكة البهاء ، وأنا كنت معدما ….وما زلت معدما ….وأنت تستحقين كل الهناء !!
قبل أن تغلق الإشارة …انطلقا…لم يتحادثا …وباحت أحزانهما …اقتربا …ثم تباعدا …وغاب كل منهما في طريق معاكس ، ألتفت أليها منعطفا …في أخر وداع : سامحيني إذا مررت جانبك كالزوبعة ، واعذريتي إذا جرحتك الورد …لكن على خطى أقدارنا نمضي ..ولا ندري …ماذا يخبئ لنا من جديد !!
ومضى …وما زالت النجوم مبعثرة هناك …عند الإشارة …على جادة الطريق .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. احساسك المرهف اثناء الكتابه يصلني اشعر ما تكتبين… بعدما كنت لا احب قراءه المواضيع الطويله.. الان ادمن على كتابتك… طالما اتابعك بصمت هذا اول تعليق لي لك

  2. ست ماجده
    ما بين الصوره والصوره صوره
    تنقل القارئ لكل معاني الحياه بتصوير بالغ الأثر من خلال حروفك الجميله لكن لي رأي وليس دفاع عندما نركع السيارات
    الفخم ولبس النظارات نحاول أن نتوانى عن البعض حتى لا يقولون ما قلت هو هروب من واقع اليم انا شخصيا لا أحب أن أرى من هو أقل أحب أن يعيش العالم
    بالمدينه الفاضله بكل شي

  3. إحساسك المرهف هو ما يجعلني أنتظر بفارغ الصبر حتى تصدر مقالاتك ، أقرأها وأتمعن سحر الكلمات ، والتناغم الرائع ، الذي يجعل من الكلمات شيئا مميزا ،
    رائعة جدا المقالة ومتألقة مثل ماتبتها..وتسلمي لنا معلمتي..

  4. ما قرأت مقالة لهذه الأديبة إلا وشعرت بارتعاشة نصك الجسد ، ودمعة تغالب الاهداب ، ووخزة تنغرس في اعماق الضمير . لا أدري لماذا أشعر بحنين جارف إلى حضن والدي ؟ برغبة عميقة أن أدفن رأسي هناك ؛ في شقب عباءته ، واسأل : والدي المرحوم ، لماذا ؟ وانت وحدك من تجيب .
    مزيد من قمم الإبداع ، وتجليات الصورة ، وبهاء الكلمة من قلم سيال ، وقريحة وقادة .
    كل أماني التوفيق للأديبة الكاتبة .

  5. رحم الله والدينا ، وأشكركم أعزائي على ثقتكم ، وأرائكم التي تحفزني على العطاء ، وكلما خبت جذوة الإبداع أراكم تعطونها من دعمكم وعطفكم ….واستذكر دائما قولة غالية : تلميذتي العزيزة : لا تكتبي إلا حين توشكين على البكاء ، وحين تخنقك العبرة ، تنهمر العبارات ، فإذا ما أعطيتها من روحك ومن شفيق بوحك …أصبحت لوحة أخاذة …هي الإبداع بعينه ….قالها وما درى أنه سيد الكلمات ..فشكرا لمن علمتي أن أبكي على الورق ، وأن أبث كل ما لدي لطيوري وزهوري ….ولمن أخرج.روحي من مصباح علاء الدين …وأطلقها في الفضاء …شكرا حقا وامتنانا ووعدا بمزيد من النماء …..

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى