ليلة افطار تونسية!!(1-2) / د . ماجد توهان الزبيدي

ليلة افطار تونسية!!(1-2)
“يانايم وحدّ الدايم”…عبارة رددها المسحراتي في الشارع الذي تطل عليه بلكونة بيتي بمدينة اربد الشمالية الأردنية في ساعات الفجر الأولى من ليلة رمضان الماضية ،أخرجتني من شرودي وتأملي أثناء مداعبة هواء الشمال العليل لكياني ،وارجعتني لسنوات عديدة لحياتي في تونس لأربع سنوات متواصلة في اواخر القرن العشرينمن ذلك الزمن الذي كان فيه بقايا من زمن الجمال العربي!
تذكرت صديقي الحلاّق او “الحجّام” التونسي عباس بن عبد القادر ليلة دعوتي له لتناول طعام الإفطار مع عائلتي في بلدة “سليمان” “التابعة لولاية “نابل”، والغاطسة”بين بساتين البرتقال والليمون على شاطىء البحر الأبيض المتوسط!
أذكر اننا حصلنا “بطلوع الروح”على ضمة ملوخية خضراء من مزرعة صغيرة غربي العاصمة التونسية زرعها مقاتل فلسطيني غزّاوي على طرف المعسكر طردا منه للزهق ،وكعادتهم ابناء غزة اينما حلوا ينثرون البيئة وردا ورجولة وإباء!

وقد أردنا تكريم الضيف فعملنا له طنجرة ملوخية خضراء ووضعنا في قلبها دجاجة ونصف الدجاجة من أجل أن تغوص رائحة الملوخية في مسامات قطع الدجاج بعد شهور من فراقنا للغالية “ملوخية” التي تدمن عليها عائلتي ،إلى درجة ان والدي رحمه الله كان إذا ماشبع من طبخة الملوخية ، وقام عن المائدة، رجع للطنجرة او الصينية ويأخذ بالشرب منها من دون خبز،فورثنا ذلك الحب !
كانت المفاجأة أن الضيف عباس رفض رفضا قاطعا لمس الطعام !!قائلا:”ياسي(ياسيد) ماجد :كيفيش بربّي توكلون هاي الملوخية والدجاج بقلبها”؟!
قلت:بدقائق نعمل لك ملوخية من دون دجاج بقلبها!!
رد عباس: ياسي ماجد: المبدأ من أصله مرفوض!انتم كيفيش توكلون هاي الملوخية الخضراء؟
قلت:ياعزيزي انتم ألا تأكلونها؟
رد سي عباس:نعم !
قلت بإبتسامة مصطنعة:طيب شد يدك و”غوص”ياخوي؟
قهقه سي عباس وقال :احنا نوكلوها ناشفة برك(فقط)!تكون الملوخية مطحونة مثل حنّة الحجّاج اللي يجيبوها معهم من مكة المكرمة!!شفت كيفيش الفرق؟

المهم في الأمر قامت المدام وعملت الواجب بقلي قطع دجاج مع شطة حارة للسيد عباس،بناء على طلبه مع “حوايج”من البيت!!وقضي الأمر!
قبل مغادرة الضيف اصرّ، ان يكون افطارنا عنده بعد ليلتين من دون ان يكون لكل الحجج التي سُقتها أي فائدة امام حائط صدّه! وعرض علينا طبخة باميا!فوافقنا على الفور ،سيما واننا نعشق هذا الصنف من الخضروات خاصة عندما تكون صينية بالفرن مع لحمة خاروف وبهارات وبندورة مهروسة بالخلاط!
في الموعد المحدد جلسنا في بيت الصديق عباس انا والمدام والبنوتة بيسان، ام العام ونصف العام ،فإذا بالرجل يحضر لنا طنجرة ساخنة فيها حوالي سبعة ليترات من الماء المخلوط ب”معجون الطماطم”(الصلصة) وحوالي نصف كيلو “هريسة”حمراء (شطة)تُثقب معدة الثور،أين منها شطة الغزازوة؟! وداخل الطنجرة والبحيرة الحمراء بين خمسة عشر الى عشرين قرن باميا من النوع النحيف والقزم!!فصرنا نغوص بالمعالق ونطارد القرون كلها ،لعل وعسى تعلق بالملعقة حبة باميا!!
ويبنما نحن في معركتنا الشاقة تلك ،وعطسنا المستمر من رائحة الشطة وطعمها ،يُكثرُ المعزّب سي عباس بترديد :”بربي ياسي ماجد كيفيش الماكلة التونسية؟(كيف وجدت الطهي التونسي؟)،فأرد وخنانتي تسيل على طرفي شاربي :بتجنن ياسي عباس!

اما المدام فأقسمت أنني لو أرغمتها على الضيافة في أي بيت تونسي مرة أخرى لتشد الرحال لبيت أهلها في الأردن!!وانا بدوري قلت لها :إسمعي :وحياة تيني لو خجلتيني وأخذتيني لبيت أي صديقة من زميلاتك المعلمات التونسيات غير أحلف عليك بطلقة أولى!! وكان بيننا سياسة الردع المتبادل كما هي بين باكستان والهند ،لكنه مفقود بيننا وبين ابناء عمنا الذين يتمادون علينا كيفما يشاؤون!!
وقد علمت لاحقا ان الباميا في بداية موسمها تكون غالية السعر إلى حدود خمسين دولارا للكيلوغرام الواحد تقريبا ،ولا تنزل عن عشرين ،مما كوّن عادة لدى التوانسة بشراء عينات منها تبقى تسبح في “الجدر”،وتتشابك اصابع افراد العائلة اثناء البحث عناها في “الجدر”او الصينية،تماما كما يشتري القروي التونسي لعائلته جناحين وفخذ دجاجة فقط! في وقت كان فيه الرئيس التونسي” الأوحد والمجاهد الأكبر وباني تونس الحديثة ورجل استقلالها” يطل على مواطنيه ليليا من التلفزيون تحت عنوان “من توجيهات الرئيس” ويتحدث مع مواطنيه عن كل شيء ،حتى في موضوعات الطبيخ!!وبين جملة وأخرى يضيف جملته المعتادة والمكررة :”بتاع حصل معناه”!وهي جملة لامعنى لها في الحديث اللغوي الشفوي التونسي!! وهناك الكثير من معاني الحياة العربية المعاصرة مثل اهمية “بتاع حصل معناه”لامعنى لها !أو هي جملة معترضة ،كما يقول زملائي الذين يدرسون في قاعات امام مكتبي بالكلية وخاصة منهم :د.غسان عبد الخالق! ،ود.يوسف ربابعة!،وأ .د. عزالدين المناصرة!و ا .د.حسن عليان!(يتبع)

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى