لماذا يستحق المعلم الزيادة؟ / عادل الخشاشنة

لماذا يستحق المعلم الزيادة؟

الحمد لله الذي علّم بالقلم، والصلاة والسلام على من قال: “مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه؛ كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه”.( حسنه الالباني) ، وبعد.
سأحاول الاجابة عن التساؤل الذي طرحته عنوانا للمقال، والذي تولّد لدي مع اجاباته التي اختزنتها سنوات خبرتي في التعليم الرسمي التي تجاوزت ربع قرن من الزمان، انتقلت بعدها للتعليم بلا مقابل بعد تقاعدي، واترك للقارئ الفهيم ان يعارض -ان شاء- او يضيف من الاسباب التي يعتقدها والتي لم أذكرها في هذا المقال المقتضب.
ساورد تاليا الاسباب التي تدفعنا للتأكيد على أن المعلم يستحق العلاوة التي يطالب بها دون مماطلة او تسويف او انتقاص وهي كما يلي:
 حتى يتفرغ المعلم لرسالته النبيلة ولا تضطره مصاعب الحياة المالية، بالبحث عن مهنة اخرى تنتقص من قدره وتؤثر على عطائه، لتأمين سبل العيش لاسرته.
 لأننا نريد ان نرتقي بالمجتمع وقيمه وأخلاقه ويرتقي اصحاب الحرف بحرفهم واصحاب المهن والاعمال بمهنهم واعمالهم، ونسير بوطننا الى الأمام والأعلى.
 لأن التعليم لا يرتقي الا بانتخاب المعلمين من صفوة ابناء المجتمع في تحصيلهم المدرسي والجامعي وفي سلوكهم واخلاقهم.
 لأن دور المعلم في المجتمع اهم من دور المهندس والمحاسب والطبيب.
 لأننا لا نرتضي لمعلمينا ومعلمي ابنائنا أن يكونوا بائعين في الدكاكين او سائقين للمركبات العمومية او عمال ورش حدادة وسباكة وبناء او ما يشبهها (مع كامل تقديرنا واحترامنا وفخرنا بهذه المهن واصحابها)، لأن فطرة المتعلم تأبى عليه ان يتعلم ممن يزاوج بين التدريس واحدى هذه المهن.
 حتى يكون المعلم قدوة للطالب في لباسه واناقته ونظافته وترتيبه واحترامه لمواعيده، ولن يتأتى للمعلم ان يصل ذلك الا بدخل مادي كاف.
 لأن المعلم يستحق راتبا مساويا لراتب الطبيب والمهندس والقاضي والمحامي ومكانة اجتماعية تزيد على مكانتهم.
 لأن ضَعف رواتب المعلمين خلال اكثر من عشرين عام مضت، أدت الى دخول سلك التعليم عشرات الآلاف مكرهين وغير ملائمين للمهنة وغير مؤهلين لها، فهوت منظومة التعليم وهوى التقدم في المجتمع وتراجعت سائر المهن والصنائع.
 لأن المعلم يستحق زيادة 100% وليس 50% على أن يكون نصف العلاوة مرتبط باداء المعلم كما تريد الحكومة.
 لأن تعديل رواتبهم سينسحب الى فئات اخرى من المعلمين تستحق تعديل رواتبهم بنسب متفاوته هم معلمي التعليم الخاص ومعلمي الثقافة العسكرية ومعلمي وكالة الغوث ومعلمي التربية الخاصة.
 حتى يصبح جواب معظم الطلبة عند سؤالهم: ما المهنة التي ستختارها لمستقبلك؟ انها مهنة التعليم. وليس الطبيب او المهندس او غيرها.
 حتى تفتخر بناتنا في سن الزواج التي تقترن منهن بمعلم وترتضيه زوجا لها أمام أقرانها، ولا تخجل من مهنته وعمله ومستواه الاجتماعي كما هو الواقع الآن.
 حتى يتمنى المحاسب والمحامي والممرض والضابط لو ان مهنته معلما.
 حتى تصبح معدلات قبول التخصصات التربوية في جامعاتنا هي الأعلى وليست في ذيل القائمة.
 لأن عدد أيام دوام المعلم لا تقل عن باقي المهن, خلافا لما يروج له. وان شئتم فعودوا الى شهادات ابنائكم المدرسية ةتبينوا عدد ايام الدوام الفعلي، واجمعوا لها ما يداومه المعلم قبل دوام الطلبة لتحضير البرامج، وبعد عطلتهم لاعداد النتائج المدرسية، وما يخصص احيانا من ايام سبت لتدريب المعلمين على المناهج – وما اكثر ما نغير في مناهجنا- وما يقضيه بعض معلمينا في اعمال تصحيح اوراق الثانوية العامة واعمالها.
 لأن عدد ساعات عمل المعلم لا تنتهي عند الثانية ظهرا كما يظن الكثيرون، بل يقضي المعلم ساعات اخرى في منزله محضرا دروس طلابه، مجهزا اوراق عمله واسئلته، ومستخرجا لنتائج طلبته، منشغلا باعداد ما يتيسر من مساعدات التدريب ووسائل التعليم.
 لأن الكثير من معلمينا يتجاوز نصاب حصصه الاسبوعي (20) حصة ويدرس في صفوف مكتظة يتجاوز عدد طلبة الصف الواحد (45) طالبا، في حين يشقى أحدنا من بضعة ابناء لا يتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة، ويضيق ذرعا بهم في العطل الصيفية والشتوية، ويفرح كالمفطر بعد صومه عندما تبدأ الدراسة.
 لأننا نريد ان يعلِّم ابناؤنا ذوي التحصيل الأعلى في مدارسهم وجامعاتهم.
 حتى نتفرغ لتدريب المعلم وتأهيله حتى لو استنفذ ذلك كامل عطلته، دون شعور منه بالتردد او الملل او الغبن.
 لأن دولاً إزدهرت عندما وضعت التعليم أول أولوياتها، ووضعت المعلم في صفوة مهنها واعلاهم دخلا، ويسبق عمال النظافة والاطباء والمهنسين، وحققت تطورها بعد خروجها من الحروب او رغم شح مصادرها، ومن امثلتها: اليابان والمانيا وفنلندا وماليزيا وسنغافوره.
 لأن مقياس ارتفاع دخل المعلم مقارنة باقي المهن هو مؤشر لتقدم وتطور الدول، وأجزم بعدم رضا القيادة والمسؤولين والمواطنين عن دخل المعلم لدينا (باستثناء زمرة الفاسدين).
 لأن معظم فئات المجتمع تتضامن مع المعلم ومطلبه المشروع لشعورهم بعدالة مطالبته.
 لأن المعلم لم يكن مسؤولا عن الفاسدين واللصوص الذين افقروا البلاد والعباد, فهؤلاء لم يدرسوا في مدارس حكومية تشرب حب الوطن في عظام ابنائها، وتدفق صدى اناشيدها الوطنية في صمامات قلوبهم قبل ان تنطق بها حناجرهم، انتهى حالهم جنودا ومعلمين او ما زالوا منتظرين دورهم في الوظيفة او انخرطوا في ارقام البطالة.
 لأنه يمكن للحكومة ان توفر اضعاف كلفة العلاوة إن توفر لديها الارادة في مكافحة المفسدين قبل الفاسدين، والمدبرين قبل المهربين.
 لأنه يمكن للحكومة من تعديل رواتب جميع الموظفين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين بضبط مليارات الدنانير نتيجة التهرب الضريبي والجمركي حسب ما تعلنه الحكومة نفسها.
 لأن الوفاء بالوعد والعهد من اخلاق الاديان السماوية، وهو ملزم للافراد والحكومات متضامنة.
 لأن من أدار الازمة من الحكومة في اليوم الاول أغلق عشرات الطرق بحجة منع المعلمين من اغلاق تقاطع طريق الدوار الرابع وحدها، وكان يسعى -وهو مستمر في ذلك- لتجييش الشارع ضد المعلمين.
 لأن قانون العرض والطلب الذي يسود في التعليم الخاص (ان ارتضى المعلم الراتب فانه يوقع عقد العمل مع المدرسة والا فلا)، هو نفسه يحتم على الحكومة أن تقبله؛ فجمهور المعلمين المعتصمين غير راضين عن مستوى رواتبهم.
 لأن الدولة استنفذت اهدافها السياسية من الاضراب في يومه الأول واوصلت رسالة الى الغرب والجنوب بان تحالف الاخوان المسلمين هو البديل ليتصدر المشهد، وقد وعى ذلك خارجيا وداخليا حليفو القرنين والشيطانين.
 لأن الدولة استنفذت اهدافها الداخلية من الاضراب وذكّرت مواطنيها بالدروس السورية والليبية.
 لأن إدعاء الحكومة بامكانية اقرار الزيادة على ان ترتبط باداء المعلم هو ادعاء واه، حيث كان بامكانها ان تقر تلك الزيادة وتدرجها في الموازنة بدءا من 1 كانون الثاني 2019 عند اقرارها قانون الموازنة المالية لمعالجة اختلال رئيسي في الواقع التعليمي الاردني، وقبل مطالبة المعلمين بالزيادة ومن باب قيام الحكومة بواجباتها.
 لأنه قد حان الوقت لقائد الوطن ان يوقف مهزلة ممانعة الحكومة في اقرار الزيادة المستحقة للمعلمين وتوفير الاموال لذلك مثل تخصيص جزء من اموال المنح وعائدات التدريب في أكاديمية جلالة الملكة رانيا لتدريب المعلمين.
 لأنه كفى. ولا أحد يريد للأزمة أن تستمر.

أخيرا فانني اجد ان مقالي هذا مختصرا لأن همَّ التعليم كبير، ولأن محاور العملية التعليمية لدينا ليست سليمة، وسأجتهد بالكتابة عنها ان طالت بي الأيام مقترحًا للكثير من الحلول، ولمن يريد ان يستبق ذلك بإمكانه التواصل معي على البريد الالكتروني التالي: adel69k@hotmail.com

حمى الله الاردن ورزق مسؤوليه الصلاح والهمهم الإصلاح.

مقالات ذات صلة

عادل محمد الخشاشنة.
خبير في ادارة الموارد البشرية والتخطيط والدراسات وخبير تربوي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى