لقد هرمنا يا صلاح الدين / يوسف غيشان

لقد هرمنا يا صلاح الدين
الدنيا حكايات ، نعبر بها بواسطة سلطة القص والرواية عما يجول في انفسنا من افكار، قد نخشى أحيانا البوح بها ، أو اننا نحولها الى حكاية لغايات فنية وإبداعية وتبسيطها بطريقة تصل الى الناس جميعا بأبسط أسلوب على طريقة أخونا جون كوكتو –على ما أظن، فلا تعتمدوا على ذاكرتي كثيرا- يقول كوكتو بأن الأسلوب هو ايصال الأفكار المعقدة بأبسط اسلوب ممكن، وليس تعقيد الأفكار البسيطة ، وعملية التعقيد هذه يقوم بها الكثيرون في عالمنا العربي، لدرجة أننا صرنا نعقد بساطتنا وسذاجتنا ،فنشلبك الماضي الحاضر بالمستقبل ، مثل قطة فقدت السيطرة على كبكوبة خيطان.
تقول الحكاية بأن إماما كان يدعو، في صلاة الجماعة، الى عودة البطل المغوار الجبار قاهر الفرنجة ومحرر الديار.. صلاح الدين الأيوبي، ليقودنا الى النصر ويحرر القدس وفلسطين وما حولها، كما فعل في السابق. وبما أنها مجرد نكتة ولا مبرر لمنطقية الأحداث فيها، فقد تمت الإستجابة الى دعوات الإمام اللحوح المتكررة ، فتجسد صلاح الأيوبي أمام المصلين جميعا، وكما هو مفترض ، فقد شرع في دعوتهم الى القتال من أجل تحرير الوطن، ودعاهم لبناء جيش تحت قيادته من أجل الشروع في عملية التحرير المضنية التي تحتاج الى الكثير من الصبر والتضحيات ، كما قال لهم .

هنا، اختلفت وجوه المصلين ، وصاروا يتهربون من صلاح الدين الأيوبي، ويختلقون المبررات من أجل عدم الإنتظام في جيش التحرير المرتقب …هذا يقول بأن زوجته ستلد اليوم ، وليس عندها أحد سواه ، وذاك يقول بأن أمه مريضة وهو يقوم بشؤونها ..وآخر يدعي بأنه مصاب بالغرغرينا، وآخر بالسرطان وثالث بالإيدز.. آخر معه القلب، وأخر معه ماجستير. أعذار في أعذار في اعذار، حتى خلا الجامع من جميع المصلين ، بمن فيهم الإمام، ولم يبق سوى صلاح الدين الأيوبي وحيدا، فعاد الرجل من حيث أتى.
في صلاة الجماعة التالية ، قام الإمام بتعديل دعوته ، حيث قال:
– اللهم أعد لنا صلاح الدين الأيوبي …وجميع أفراد جيشه الذي كان معه، وحرر القدس وبقية أنحاء فلسطين…اللهم إجلبهم لنا جميعا ..حتى نحرر البلاد والعباد..بهم. انتهت النكتة المؤلمة.

المؤلم والمؤسف في الكثير من النكات –السياسية وغير السياسية- بأنها تعبر عن الحقيقية بشكل سافر وواضح تماما بدون تبهير ولا تبرير ، لذلك تكون جارحة ومهينة للذات الإنسانية، التي تختلق التبريرات من أجل تزويق واقعها قليلا.

ما قيل سابقا حول قصة صلاح الدين هو عين الحقيقة تماما، وهو اننا شعب اتكالي يريد أن يجعل من الماضي جنرالا في قواته المسلحة، ليدافع عنه ويهاجم عنه ويقاتل عنه ويستشهد عنه ويحرر الأرض عنه. هذه الإتكالية هي التي أوصلتنا الى ما نحن عليه من ضعف وترد وانهيار وضياع طاسة.

حتى لو تحولت النكتة الى حقيقة والأمنية الى واقع ..وجاءنا صلاح الدين وجيشه ليقاتلوا عنا ، فإنهم بلا شك كانوا سينهزمون على ارض الواقع ، لأنهم ينتمون الى عصر آخر والى ظروف مختلفة، كانوا قد صنعوها بأنفسهم، أما نحن فقد صنعنا بيئة مناسبة تماما للهزيمة ..هزيمتنا طبعا.
وتلولحي يا دالية

ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى