قراءة في رواية “هاني بعل الكنعاني” للروائي صبحي فحماوي

#سواليف

كتبت .. تسابيح إرشيد

بعثَ #صبحي_فحماوي تاريخَ #الكنعانيين من مَرقدِه، فأقامه أمامنا، كأنّما نشهده عيانا في روايته ” #هاني_بعل الكنعاني” الصادرة عن دار الأهلية للطباعة والنشر (بيروت – عمان) وهي في 215 صفحة من القطع المتوسط.

وإذا كانَ بحر كنعان – البحر الأبيض المتوسط – نبض حياة الكنعانيين، فكيف لا يهدي الكاتبُ روايتَهُ الكنعانية هذه إلى بحرِهم الكنعاني، الذي يخاطبهم ويخاطبونه، ويسامرهم ويسامرونه. فيقولُ في الإهداء: “إلى البحيرةِ الكنعانية التي حوصرت ولُوثت، فصارت تسمى؛ البحر الأبيض المتوسط”.

مقالات ذات صلة

بينما كانَ فحماوي يجولُ تونس العاصمة، قرأ إعلانا لمسرحِ الحكواتي القرطاجني جوّال، مفاده بأنه سيعرض سيرةَ هاني بعل الكنعاني في الذكرى السادسةِ والستين لتحريرِ تونسَ الحديثة من الاحتلال الفرنسي في سهرات أربع.

ثماني لوحات بأربع سهرات وأربعة أحلام، شكلت رواية فحماوي. في سهرته الأولى في مسرح الحكواتي القرطاجني يسرد لنا الحكواتي جوال حكاية الأميرة أليسا ابنة الملك ماتال، التي هربت من الشرق الكنعاني بعد وفاة والدها بأموالها، وجيشها، حتى وصلت إلى منطقة أسمتها قرطاجنة.

احتلت قرطاجة المركزَ التجاري الأعظم آنذاك، وشهدت اكتظاظا في العيش بسبب هجوم جيش الإسكندر ذي القرنين على الشرق الكنعاني “صور” وتدميرها. وشهدت قرطاجة مواجهات مع الحربيّة الرومانيّة اندلعت على إثرها الحرب البينية الأولى سنة 247 ق.م. وفي ذاك الوقت ظهرَ مقاتلٌ قرطاجني قوي جدا اسمه “هاملكار البرق”. وفي نفس العام (247ق.م) وُلد ابنه هاني بعل. شنّ هاملكار حروبا دفاعية ضدّ الرومان، ولكنه خسر وتنازلَ لروما عن أملاكِ القرطاجيين في صقلية. أسس هاملكار محمية قرطاجية جديدة في أيبيريا بعدَ معاركَ عديدة.

انتهت السهرةُ الأولى في المسرح، ومتعبًا عاد فحماوي أدراجه إلى الفندقِ الذي لم يكن بعيدًا من المسرح، وغطّ في نوم عميق ليرى في منامه هاني بعل الكنعاني جنينًا، ومن ثَمّ طفلا، يُخبر فحماوي بطولات والده هاملكار البرق. ونقرأ كيف تأمّلَ فحماوي هاني بعل الكنعاني بفرحٍ ومحبة. فيقول: “أثار مشاعري ببهائه، فرحت أتأمله بشغفِ المحبة…” (ص 62).

وانطوت هذه الليلة بحلمها، وبدأت السهرةُ الثانية في اليومِ التالي، وبدأ الحكواتي جوّال بسرد قصة قتل هاملكار سنة 228 ق.م. مات هاملكار مقتولا على يد مجنّد أيبيري، هاملكار هذا القائد العظيم الذي حملَ همومَ وطنِه، وطوّرَ الصناعةَ، والتجارة، واستخرج الفضة لتطوير اقتصاد قرطاجنة، وهذا ما جعلها تقفُ أمامَ التوسع الروماني الذي سعى للسيطرةِ على البحرِ الكنعاني.

نصلُ إلى اللوحةِ الرابعة في الرواية وهي “حلم الليلة الثانية”. كانَ الحلمُ عن صِبا هاني بعل، وعن حياته، ومغامراته، وزواجه من إميليس. وفي هذا الحلم وظّف الكاتبُ التراثَ بمقولة عنترة بن شداد: “الشجاعة صبر ساعة”، عندما سألَ فحماوي هاني بعل الكنعاني عن الشجاعة فأجابه بأنها صبر ساعة، ولم تأتِ هذه المقولة عبثا، وإنّما لما كانت هذه المقولة لشجاعٍ كعنترة بن شداد، فكيف لا يُجيب بها هاني بعل، وهو من هو في الإقدامِ والشجاعةِ.

وفي السهرةِ الثالثة يسردُ الحكواتي قصةَ زواج هاني بعل الكنعاني الثاني من ألبينا، والمعارك التي شنّها هذا القائد البطل ضد الرومان، ومنها معركة تسينو (218 ق.م)، ومعركة كاناي التي انتصر بها أيضا على الرومان، ويُعد التكتيك الذي استخدمه هاني بعل في هذه المعركة واحدا من أعظم التكتيكات العسكرية في التاريخ.

وفي حلم الليلة الثالثة يطرح فحماوي أسئلة عديدة على هاني بعل؛ عن حروبه، وعن مغامراته، وعن الحب في حياته. ويجيبه هاني بعل على أسئلته بمشهد حواري.

نصل إلى اللوحة السابعة الحزينة وهي ” سهرة الليلة الرابعة”. افتتحَ الحكواتي جوّال المسرح في أمسيته الرابعة والأخيرة بالحديثِ عن تعب هاني بعل، القائد العظيم الذي بات منهكًا لكثرةِ الحروب التي خاضها، ولتخلي الحكومة القرطاجية عنه. ويسردُ الحكواتي تعرض قرطاجنة لهزيمة ساحقة في معركة زاما (202 ق.م) أمامَ القائد الروماني كورنيليوس. ونقرأ أنّ القرطاجيين هم سبب هزيمة هاني بعل، لأنهم لم يُقدّموا له الدعم، ومنهم من كان ينوي تسليمه للعدو.

وفي هذا المشهد وظّفَ الكاتبُ التراثَ مرة أخرى بقول طرفة بن العبد:

وظلم ذوي القربي أشدّ مضاضةعلى المرء من وقع الحسام المهنّد

 حوصر هاني بعل في غرفةٍ في قصرِ الملك بروزيوس، ملك بيثينيا، بعد أن خانه بروزيوس ووافق على تسليمه للعدو. شرب هاني بعل كأسا من الخمر الممزوج بالسّم، وكان قد أخفى السّم لفترة طويلة داخل جوهرة معلّقة برقبته تحسبا لمثل هذا اليوم.

ونرى الحوار الداخلي (المونولوج) عندما قال هاني بعل لنفسه: “دعوني أُرح الرومان من فزعهم وهم كارهون انتظار موت رجل عجوز”. (ص 193). 

وفي الحلم الأخير، حلم الليلة الرابعة، لم يأتِ للفحماوي هاني بعل الكنعاني في الحلم، بل رأى ثلاثة رجال يتبادلون أطرافَ الحديثِ، حيث دارَ كلامهم عن هاني بعل، وهم بين مؤيد ومعارض له ولإنجازاته.

أحيت الروايةُ تاريخَ الكنعانيين المُغيّب، قصدا أو إهمالا، مما يُعطي هذه الرواية منزلة جديرة باهتمام القُراء. فمن تاريخ عظيم وضع لنا فحماوي رواية مجتمعة الأركان، فهنالك الشخصيات، والأزمنة، والأمكنة، والأحداث….. .

والرواية مترابطة ومتسلسلة، وتبدو في إطار واحد بالرغم من تقسيمها إلى عناوين فرعية. وقد حققت الأمانةَ التاريخية، حيث التزمت بالحقائق التاريخية، وتميزت اللغة بالإيجاز والسهولة، والدقة في آنٍ واحد. واحتلَّ الحوار الخارجي (الديالوج) مساحة واسعة في الرواية، فقد شكّل الحوار لوحات الأحلام الأربعة، ورسم لنا الشخصيات، وبيّن مكنوناتها، والسردُ كان مفصلا، وواضحا وبعيدا في نفس الآن عن الرتابة والملل.

Tasabeeh_Irshaid@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى