كِتُ زيتون …

كِتُ زيتون …
مجد الرواشدة

على حافة الأريكة الخشبية شالُ كتفٍ شتوي ثقيل ، وعلى استدارة مدفأة البواري ابريق صفار ، وعلى أكُفِ النوافذ يسكن أنين البُخار فسرعان ما يصبح ماءً يُبللُ جدران بيوتنا ، لتتشربُه أجسادُنا ، نرتجفُ تارةً وتارةً أخرى نتسمر حول ( الكوع ) ونفرك أكفنا عل ّالدفءَ يواري ذاك الصقيع الذي يَسكنُ أرواحنا قبل أبداننا .
هكذا هو الشتاءُ ، تستعيد ُأرضية بيوتنا سُترتها بكنزات ِسجادها ، وتحيك منازلنا بُسطَ الدفء حين نتحلق حول ملاذ تدفئتنا ، سريعاً ما تأفلُ خيوط الشمس ليأتي الليل بسرمديته باكراً يلقي على مسامعنا أذان العشاء ، ومنذُ اقامة الصلاة حتى بزوغ الفجر يمضي الوقتُ على قدمي سلحفاة ، ما ان أتت الثامنه حتى نظن أنها عاودت الكرة نحو السابعة ، ثمة رتابةُ بالشتاء بعضنا يحبُها وكثيرون يكرهونها .
شئنا أم أبينا هناك فصل ُ في السنة نجمعُ فيه كومة آمانينا ، في حين يسكننا الملل من تكرار جدول الأماني كل عام ونقله للعام الجديد ، يراودنا كثيراً أن نحرقها فعود ُ ثقاب كفيل باشعال كومة الأماني وان كان بعضها وردٌ وبعضها رحيق حين تحترق تصبح رماداً حالك السواد أسي الرآئحه ، ولكن لُطف الله يزورنا فبينما نبحثُ عن علبة الكبريت لنظفر بعود ثقاب كفيل بالحرق تعانق تلك النجوم المتركنةُ على سطح علبه الكبريت غيوم السماء وكأنما عناية الله ترعانا وتنبؤنا أن لُطف الله يجري وعبده لايدري ، تُطلُ تلك الغيوم وتروي لكل أمانينا قصص ما قبل الاحتراق فبدلاً من أن نحرق ما نتمنى علينا أن نُبلل الورق بماء المطر لا لنشرب منقوعه ، بل ليبدو للعيان أن أمانيا غضُة وأمل احتراقها قد يتطلب الكثير .
كل الشتاءات التي مرت تزامنت مع بدء عامٍ جديد ، اضافة لموسم الزيتون ، لستُ أدري عن عامٍ تصدرت كورونا طليعة سباقاته وجولاته ، لربما هذا العام لاقطفُ ولا عطف ، ستبقى أسطحُ مدآفئنا نظيفة لا حاجة لتسخين كسرة خُبز ٍ طالما أن حبات الزيتون ما زالت على امها ، لستُ أدري كيف سنلتقي بموسم القطاف نُمسكُ غصن الزيتون كبيرنا في رأس الشجرة وصغيرنا يلملمُ تلك الحبات التي ترامت هُنا وهناك ، كيف سنغني أهازيج الجدادين ، أيتها الكورونا فرقتينا بأفراحنا وأتراحنا ومدارسنا وأسواقنا وشوارعنا ومطاراتنا ومؤسساتنا ولكن ما سمعتُ وزيراً يقول يلزم التباعد بين جدادين الزيتون ، بين قاطفي الشجرة التي ذكرها الله بلوحه المحفوظ ، الكورونا تُفرقنا والجِدادة تجمعنا ، تعالي أيتها الكورونا انظري لنا ونحن نمسكُ بتلك الحبة دونما كفين ودونما كمامة ، نتجمعُ بين البساتين نفرشُ المشمعات والبُسط تحت شجراتنا ونبدأ القطاف ، أي تباعدٍ ذاك الذي نتسمرُ فيه تحت جذوع شجرنا ، أيتها الكورونا مهما اختلفنا أنك وباء أم وهم ، نتفق أن الكمامة والكفين توأمين بعام ٢٠٢٠.
أيتها الكورونا … كيف يمكن للفلاحين أن يؤمنوا أن التباعد بين صفوف الجداديين سيأخذ العمل لمنحاً ايجابي ، لتعلمي أننا شعوبُ يفرقنا الوباء والعداء والمرض يفرقنا كل شيء ولكن تجمعنا شجرة … تجمعُنا الجذور تلك التي نقطفُ ثمارها وغلتها ، في كل مكان ٍ نتباعد سوى في بساتيننا نروي الشجرة معاً ونقطف الثمرة معاً ونخيط شوالات الزيتون معاً ونذهب للمعصرة ِ معاً . قد يفرقُنا الوباء ولكن تجمعنا أرضنا وجذرنا .
ان الحرب بين الكاف التي تستهل الكمامة والكفوف عصيُ عليه لتُقاوم شعوباً يتوسط أريافها تاء زيتونها وزيتها وزعترها .
الكاف والتاء
كت .. كت فحص لعروبتنا التي جمعتها شجرة ووحدتها جذورها ، وحتماً حين يتعلق ُ الأمر بعروبتي فإن نتيجة ( كت الفحص ) حتما ستكون ايجابية وهل أجمل من فحص يؤكد عروبتي ، ذلك أجمل وباء لا بل هناء لمسيرة حياتي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى