الدولة الدينية / د . هاشم غرايبة

الدولة الدينية
ما أن تطرح فرضية أن تنتهج الدولة الإسلام حتى يقفز المعارضون لذلك صارخين : لا .. لا نريد دولة دينية .
الحقيقة أنه لم توجد دولة دينية بشكلها الذي يصوره دعاة العلمانية على أنه الشر المطلق ، ما عرف البشر منها تاريخيا هوعندما استتب الأمر لبعض الأنبياء وحكموا بموجب الشريعة ، مثل حكم داود وسليمان ويوسف ، وآخرهم كان النبي محمد – صلى الله عليهم وسلم – في الدولة الإسلامية وعاصمتها المدينة المنورة .
لم يسجل التاريخ أية ممارسة سلبية لتلك الدول ، فقد كانت مثالا لتحقيق العدالة والمساواة والكفاية للمواطنين .. أي تحقيق الحالة المثالية للحكم الرشيد ، بل كانت بقعة ساطعة الإضاءة في وسط محيط مظلم من الدول اللادينية ، التي ظلت تاريخيا شديدة الظلم لبعض مواطنيها والقسوة على منافسيها .
طالما والصورة على هذه الدرجة من التباين الذي لا يتيح مجالا للبس والخلط .. لماذا ينظر الى الدولة الدينية على أنها عنوان للإستبداد والقمع الفكري ؟
لا شك أن جذورها تعود الى التجربة الأوروبية المريرة مع الكنيسة الكاثوليكية فقط ، وبسبب من مفهوم خاطيء سائد أوروبيا أن الدين يعني الكاثوليكية ، وأن الإسلام ليس دينا بل هرطقة وثنية .
لكن هذه النظرة المتعسفة تجاه الدين لا توجد في مكان آخر ، حتى الدول التي تدين بالبوذية أو الهندوسية أو ما شاكلها ، لم يكن هنالك شكوى في يوم من الأيام من دينية الدولة ، ولم يطالب أي من شعوب العالم القديم الآسيوية أو الأفريقية بالعلمانية أو بإلغاء دور الدين .
هذا هو الواقع عالميا ، أما في الشعوب الإسلامية فالأمر على النقيض .. جميعها تحلم بعودة الدولة الإسلامية التليدة ، عدا عن قلة قليلة تشمل مجموعتين : الأولى هي الطبقة الحاكمة والتي ليس من مصلحتها الإحتكام الى الدين وعدالته ، والفئة الثانية هي في من يسعون لأن يستأثروا بالحكم بدلا منهم ويدركون أن تحكيم الشرع في أحقيتهم بمغانم السلطة لن يكون في صالحهم ، لكن هؤلاء على ضآلة نسبتهم العددية ، إلا أن تأثيرهم في الرأي العام قوي وطاغٍ لثلاثة أسباب :
1 – أن قوامهم من الكتاب والصحافيين والفنانين والإعلاميين ، أي أنهم يمسكون بتلابيب صياغة الرأي العام وتوجيهه حيث يشاؤون .
2 – ينالون دعما ماديا ومعنويا من أصحاب القرار السياسي كون ذلك يمكنهم من الحكم ويزيل تهديد إبعادهم عن السلطة .
3 – يتمتعون بحماية وتمويل من قوى الهيمنة والجبروت العالمي الذي لن يسمح بعودة المارد الإسلامي من جديد بعد أن عانى الأمرين قبل تمكنه من القضاء عليه عام 1918 .
إذن قضية التباكي على الدولة المدنية ، والخوف من الطغيان بمسمى الدولة الدينية ، أمر باطل ، ولا يراد به إلا باطلا ، وإلا فأين ذلك البعبع – الدولة الدينية – موجود حاليا ً؟ ، وما هي الدولة التي تبنّتها فاستبانت ضررها ؟
هنالك خمسة نماذج معاصرة تطرح على أنها دول دينية الطابع : –
– الفاتيكان : هي ليست دولة حقيقية بل هي وهمية ابتدعت لترضية الكنيسة تعويضا عن تهميشها سياسيا .
– بريطانيا : هي إسميا تحكم من قبل رئيسة الكنيسة الإنجليكانية ( الملكة ) لكنها منزوعة الصلاحيات ، والحكم يتولاه العلمانيون .
– السعودية : هي إسميا تحكم بالشريعة في العقوبات فقط لكنها سياسيا تنتمي الى الليبرالية الغربية .
– إيران : إسلامية بالإسم فقط ، لكنه نظام امبراطوري وليس إسلامي ،لأن السلطة فيه للإمام الغائب أبدا ، والنظام الإسلامي لا يولي غائبا ولا يورث الحكم ولا الإمامة ، فالنبي (ص) عندما توفي وُلّيَ مكانه خليفته فورا ، ولا يمكن أن يكون من ينتسب إليه أكرم عند الله منه ، فيبقيه حيا أكثر من ألف سنة .
– اسرائيل : وهي الحالة الشاذة الوحيدة في العالم في كل شيء ، العجيب أنها تطالب العالم بالإعتراف بيهوديتها رغم ان اليهودية معتقد ديني وليست قومية ، والأعجب من ذلك أن عتاة العلمانيين يتقبلون ذلك برحابة ومودة ، في حين ينكرونه على دولة إسلامية .
طبعا لا نذكر هنا الحالات المصطنعة مثل داعش وطالبان وبوكو حرام .. الخ ، لأنها صنعت كتماثيل شوهاء بقصد رجمها ، صنعت من قبل أعداء الإسلام لتخويف البشر منه .
نصل في الخلاصة إلى أنه لا يوجد ما يرعب في الدولة الدينية ، إلا إذا كان الدين وسيلة للوصول الى الحكم ، لكن ذلك ليس عائدا إلى الدين بل الى طبائع البشر ، تماما مثلما أن الدولة الديمقراطية يفترض تحقيقها للعدالة والمساواة والرخاء ، لكن من النادر تحقق ذلك الهدف ، فلا نقول أن العيب في المبدأ بل في التطبيق .
تبقى دائما مسألة الخوف على حقوق الأقليات من غير المسلمين في ظل الدولة الإسلامية ، أليست الديمقرطية تعني رضوخ الأقلية لحكم الأغلبية .. ما الشيء المختلف ؟ ، ولماذا يطالب المسلمون (الأغلبية ) بتقبل أن يرأسهم فرد ينتمي الى الأقلية في حين لا يطالَبُ النظام الديمقراطي بذلك ؟
أقام العلمانيون الدنيا على السماح لمسلم برئاسة بلدية لندن .. هل سمح لأوباما بالوصول الى الرئاسة إلا بعد إثبات عدم إسلامه ؟ ، في المقابل لم يقبل ” سمير مرقص ” القبطي تعيينه نائبا للرئيس الإسلامي مرسي ، ما الذي المنصب الأعلى الذي كان سيرضيه بعد إذ لم يبق غير أن يعين رئيسا ؟
– للإطلاع على المزيد من انتاج الكاتب يرجى الدخول على صفحته على الفيس بوك : صفحة الدكتور هاشم غرايبه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى