قصة “سور”..

مقال الإثنين 27-1-2020
قصة “سور”..
كيف تجري الأمور بالبلد؟؟..تماماً كما تجري الأمور في أصغر بلدة..قبل أسابيع مرّ خبر مرور الكرام…لكن لو كبّرنا الصورة وقتها بأصبع لإبهام والسبابة كما نكبّرها في هواتقنا الخلوية…لعرفنا أن ما جرى هو “نموذج” أو “خزعة” مما يجري في الوطن ككل..
قبل ثلاثة أسابيع سقط سور مدرسة في بلدة صغيرة شمال المملكة ، فتوفي ثلاثة عمّال كانوا يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه من السور ،ولولا لطف الله..لكانت الضحايا أكثر والفاجعة أكبر..ما لفت انتباهي أن أهالي المنطقة كانوا يرون التصدّعات..بعضهم صوّرها وبعثها للمعنيين، وبعضهم حذّر بالصوت المرتفع من خطر انهيار السور ، وبعضهم مرّ قربه ورأى التشققات وكأن الأمر لا يعنيه…من كان ينقل الأمر وينبّه للخطر كان يتّهم أنه “يُبالغ” ومن هواة “المناكفة” و”المشاغبة” والبحث عن “شعبويات” ،”فال الله ولا فالك”..”زي البوم”..”بشّروا ولا تنفّروا”..”حكى غراب البين” ، فحاولوا إبعاده عن المشهد لأنه ليس من ذوي الاختصاص..وبالتالي تصغير الشكوى وتذويبها ورميها الى “يوم الله بيفرجها الله”…السور يميل والتشقق يزداد والخطر يقترب على الطلاب والسكان…وبالتالي انشغل أصحاب القرار برسم وردة على الجدار وربيع أخضر وعبارات عن الإخلاص بالعمل وحب الوطن..عندما تغلغل الماء تحت السور وانفصل الأساس عن البناء انهار السور فجأة وتناثرت حجارته ..وهرع الناس يركضون ليروا ما الذي سقط…حاولوا إنقاذ بعض الضحايا ثم شرعوا يلقون اللوم على المعنين والمقصّرين والمتهرّبين من واجباتهم…لكن الكلام الكثير لن يرفع السور..السور سقط..والعمال الذين كانوا يعملون بإخلاص لبقائه أطول فترة ممكنة يلفظون أنفاسهم الأخيرة..ومن كان يحذّر كان يُهمل ويحيّد ويبعد ويتّهم ويسكت صوته…
قصّة السور هي قصّة الوطن..أعرف أنكم لا تطيقون سماع صوتي ،ولا تحبّون أن تروا كتاباتي في أي موقع او صحيفة، أعرف أنكم تتهمونني فيما بينكم بالسوداوية والعبثية والتشاؤمية ، أعرف أنكم تتهمونني بالتحريض وبالمناكفة والمشاغبة وعدم الواقعية ..لكنني أرى بأم عيني تشققات في السّور ، ومن واجبي أن أطرق أبوابكم المغلقة محذراً إياكم وسقوط السور، قولوا عنّي ما شئتم أرسلوا لي ما شئتم من المراسيل المهدّئين أو المهدّدين لا فرق..فهناك تشققات بالسور والأساس صار مفصولاً تماماً عن البناء ..أعرف أنكم لا تطيقون قراءة اسمي ،وتعرفون تمام المعرفة اني من الميئوس منهم وأن لا سقوف لدي سوى سقف الوطن …لكن سأبقى أصيح كل صباح مثل الديك.. أذكّركم بالسور والوطن..فالوردة المرسومة على الجدار لن تنقذنا من الانهيار..
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لا يعرفوا معنى الورد والسور لا مكانة له بأذهانهم لحماية الوطن.. وكلامك أكبر من كل المفسدين..َ

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى