قراءة قانونية سياسية للاعتداءات على الأقصى / د . رياض ياسين

قراءة قانونية سياسية للاعتداءات على الأقصى

يمثل اقتحام الاقصى بين الفينة والاخرى أكثر من مجرد اعتداء عرضي لمتطرفين يتم تحت اعين سلطة الاحتلال الاسرائيلي التي هي بموجب الاتفاقات والقرارات الدولية بمثابة الامينة على هذه الممتلكات الثقافية،فاسرائيل وفقا لأحكام القانون الدولي تعتبر قوة محتلة، قامت بإحتلال القدس وباقي الأراضي العربية المحتلة بالإستناد للقوة ،و الإحتلال معرف تعريفاً واضحاً في المادة 42 من اتفاقية لاهاي لعام 1907،التي يفترض ان تلتزم بها إسرائيل. واتفاقية لاهاي نفسها لاتجيز للدولة المحتلة مصادرة الأملاك الخاصة، فقد ورد في المادة (56) بان الدولة المحتلة تعتبر بمثابة مدير للأراضي في البلد المحتل وعليها أن تعامل ممتلكات البلد معامله الأملاك الخاصة. فقد جاء النص محددا فاشترط” معاملة ممتلكات البلديات وممتلكات المؤسسات المخصصة للعبادة والأعمال الخيرية والتربوية، والمؤسسات الفنية والعلمية كممتلكات خاصة عندما تكون ملكاً للدولة،ويحظر كل حجز أو تدمير أو أتلاف عمدي لمثل هذه المؤسسات والآثار التاريخية والفنية والعلمية، وتتخذ الإجراءات القضائية ضد مرتكبي هذه الأعمال” .

كما اشتملت معاهدة جنيف في الاتفاقية الرابعة منها بشان حماية الاشخاص المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12-8-1949 وحسب المادة (49) بأنه لا يحق لسلطة الاحتلال نقل مواطنيها الي الأراضي التي احتلتها، أو القيام بأي اجراء يؤدي إلي التغيير الديموغرافي فيها. كما نصت المادة (53) على أنه لا يحق لقوات الاحتلال تدمير الملكية الشخصية الفردية أو الجماعية أو ملكية الافراد أو الدوله التابعة لأي سلطة في البلد المحتل.

والاهم من ذلك كله ماورد في قرارات الجمعية العامة ومجلس الامن بخصوص حماية الممتلكات الثقافية في الارض العربية المحتلة وبالاخص الاماكن المقدسة،وسأشير فقط هنا الى قرار الجمعية العامة رقم 181 الصادر عام 1947 والذي يعد من القرارات المرجعية الهامة في القانون الدولي ،فقد تضمن الفصل الأول من هذا القرار عنوانا مفردا للأماكن المقدسة والابنية والمواقع الدينية بحيث أكد القرار على أهمية أن ” لا تنكر أولا تمس الحقوق القائمة المتعلقة بالاماكن المقدسة والابنية والمواقع الدينية” بحيث تضمن حرية الوصول والزيارة والمرور لجميع المواطنين في الدولة الاخرى وفي مدينة القدس،كذلك صون الاماكن المقدسة والابنية والمواقع الدينية ، هذه الابنية هي التراث الثقافي للمسلمين والمسيحيين على حد سواء. كما أوصى البند “ج” من القرار في الجزء الثالث ان تقوم سلطة ادارية حكومية تعمل على “حماية المصالح الروحية والدينية الفريدة الواقعة ضمن مدينة العقائد التوحيدية الكبيرة الثلاث المنتشرة في انحاء العالم – المسيحية واليهودية والاسلام- وصيانتها ،والعمل لهذه الغاية بحيث يسود النظام والسلام-السلام الديني خاصة- مدينة القدس.

مقالات ذات صلة

هذا من حيث بعض ملامح الارث القانون ،اما المستقبل القانوني لهذه الاعتداءات فعلى ما يبدو سيجرّم اسرائيل في حال تم اعداد ملفات لرصد انتهاكات المسجد الاقصى والاماكن المقدسة على نحو يؤسس لفكرة جديدة مفادها ان هذه السلطة لايمكن ان تكون محايدة في فرضها لسيادتها على أراض وممتلكات تخص ثقافة وامة اخرى،وللتذكير فقط فإن الاعتداء على الاملاك الثقافية من أماكن دينية واثرية وتاريخية في أكثر من موضع وأكثر من قرار يعد بمثابة جرائم حرب،فقد أعتبرت أحكام المادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة تدمير واغتصاب الممتلكات الدينية والثقافية والتاريخية بصورة لا تقتضيها الضرورات الحربية الأكيدة من قبيل المخالفات الجسيمة، التي كيفت بنص المادة (85) من البروتوكول الإضافي الأول بأنها جرائم حرب . وهذا ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار رقم 36/147 بتاريخ 16/ ديسمبر /1981 فقرة (6) بأن الاعتداء على الأماكن التاريخية والثقافية والدينية هي من قبيل جرائم الحرب، حيث نصت على ” أن حالات الخرق الخطير من قبل إسرائيل لأحكام اتفاقية جنيف هي جرائم حرب وإهانة للإنسانية.

اما على المستوى السياسي للاقتحامات المتكررة فيبدو انها تصب في مجرى مشروع بناء ما يسميه الاسرائيليون “المدينة اليهودية المقدسة” بحيث يهدفون الى تقسيم المسجد الاقصى وتثبيت “الاحقية اليهودية” فيه كامر واقع مستثمرين بعض الرؤى السياسية الدولية لمستقبل مدينة القدس بحيث هناك فكرة رائجة الأن خاصة في الاوساط الامريكية تقوم على رؤية المدينة المتعددة او العاصمة الدينية المفتوحة لجميع الاديان . نقول ذلك لأن ثمة فكرة الان لدى حكومة نتنياهو تتعلق بان دولة يهودية الطابع تحتاج الى عاصمة يهودية الطابع تماما ومن هنا فكرة خلق “مدينة يهودية مقدسة” خاصة داخل القدس العربية والبلدة القديمة بهذا الطابع ينسجم مع توجهات حكومة نتنياهو الحالية،بحيث يغدو مستقبل ما يسمى القدس العربية في الشطر الشرقي من المدينة من المشتركات السياسية بين اليهود والعرب وتغدو الاحقية التاريخية لليهود امرا واقعا فيما طرحت المدينة للتداول في سوق التفاوض .

يبدو ان خطط المساس بالمسجد الاقصى تأتي بعد ان فشلت الادعاءات المؤدلجة صهيونيا من إثبات وجود الهيكل تحت المسجد الاقصى بعد ما يزيد على مائة وخمسين سنة من الحفريات تحت وحول المسجد ومحيطه،فالبعثات العلمية أثبتت فشل كل محاولات البحث عن اثار تمت لما يسمونه للهيكل بصلة،لذلك فهم الان في مرحلة بناء وخلق ما يسمونه”اورشليم المقدسة”من خلال مسارين الاول:تثبيت حق اليهود بالصلاة في جبل الهيكل كما يسمونه،والثاني خلق اثار لاورشليم المقدسة على هذا الجبل،ومن هنا نقرا الاقتحامات والتغولات غير المأذونة الا من سلطات الاحتلال المتواطئة تماما،فهؤلاء المقتحمون هم طليعة تنفيذ المشروع السياسي البغيض بمحاولاتهم الاستفزازية تعميق الكراهية من خلال وضع اقدام لهم هناك.
rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى