
قارئ
قراءة أولى …
جالس عند مفترق الطرقات ، يفكّر بأمسٍ لم يره ، هائم في يومه الذي انقضى اكثر من نصفه بين تحديق نحو اليسار وتشتيت للنظرات نحو يمين لا يمل السكوت ، صمت ٌ اطبق على ما تبقّى من انفاسه التي يؤمّل أن تكفيه لغد ٍ حائر بالوجهة التي ينتويها ، أين تذهب به هذة الاشارات ؟ ماذا تكون النهاية لهذه أو تلك ؟ رتابة جلوسه لا تشغل شيء بتفكيره ،لا يعنيه سوى أن يعرف شيء واحد فقط . …من أي هذة الطرقات كان قد أتى ؟!
بعض من ذاكرة لا يحتمل ما تبقىّ بها أن ينفض غبار زمنه عنها ، كل ما يتراءى له فضاء لا منتهي يعبث بأمانه، استقرار يعدم وجوده ؛ كأنه النقص الذي يفتقد اكتماله ، هو ذاته .. ليس احد آخر ، كانت هذه اكثر الحقائق ثبوتا لهواجسه ، قناعته لم يختلف عليها مع نفسه بأنه ذات الذي كانه من قبل ، ولكن الذي اختلف هو مجهول يتبدى له كالظل الزائف ، باغتته لوهلة فكرة ألقت بها اليه اشعة شمسه ؛ أيكون هو سراب لأحد ما ..؟!
قراءة ثانية ….
في حوارها المستمر منذ الأمس كانت تتهامس أحيانا حول هذا الغريب الذي يهتز خافقه لكل هبة من النسمات تداعب وداعته وما رقّ من عقله ، تتحلق حوله وكأنها تحاصره تراقب كل إيماءة بلهاء تخرج رغما عنه ، تستقرئ ما صمت عنه من أفكار لا تجرؤ أن ترسمها ، هي دليل الهائم و بوصلة من تاه عن رؤيتها ، تنظر إليه كمنارة تشد خيوط السفن لبر أمانها بأنوار تهادت من عينيها ، مسترسلة في حديثها تقنع ذاتها بأنه من تنتظر ، حوار تتلوه أقاصيص عن مراوحته بين الاقتراب حد الأطباق والابتعاد حتى تخفيه الغيوم عن ناظريها ليدب يأس من اللقاء في نفسها لتعود تتهامس في حوارها أحيانا منذ الأزل
قراءة أخيرة ….
تمتلكه ذات حيرة ما أدركها من قبل ولا يأمل لإدراك ركبها في الآن الخاص بزمنه ، يرنو قلبه نحو الشرق تارة ونحو الغرب تارة أخرى بتقلّب شمسه كعبد يتبع سيده ويفر منه ، يكاد يقتلها انتظار لقاء أقرب ما يكون وابعد من الحياة وأشد وطأة ؛ يفز قلبها كلما لمحت حركة له تظنه مقبل نحوها فلا تلبث أن تراه يبتعد …أمر بسنديانة حياتي ونبع حنانها وارى هذا مستقبلي في وقوفه بباب محرابها كأنه الظل ملتصق بجذعها ويهرب مبتعدا
عن اغصانها .. بقراءتهما عند مفترق الطرقات.