في كل إنسان تعرفه إنسان لا تعرفه
سناء جبر
بات واضحًا للجميع بما لا يحتمل مجالًا لأدنى قدْرمن الشك أو الالتباس بأن الناس من حولنا أصناف وأنواع ونماذج وصور وحكايا لا تنسى … بغض النظر عن طبيعة علاقتنا بهم سواء أكانت علاقة ضمن محيط العمل الذي تعمل فيه، وتفرضها المعطيات والمستجدات،ولشدة الأسف تتصدر المصالح العلل والأسباب لتحدد ماهيّة علاقته بك وصدقه معك … ويكون لزاما عليك التعاطي والتعامل مع الجميع بغض الطرف عن رؤيتك الشخصية تجاههم، ودون التفاتة لاختلاف التوجهات والقناعات بينكم… وهناك العلاقات التي واجهتها بشكل شخصيّ في بيئتك الاجتماعية كصلة القرابة أو محيط الجامعة أوالأنشطة المختلفة… وهذا واضح عيانًا للجميع فلست هنا للتنظير ولا لتقديم فكرة غير مسبوقة ، لكنّي هنا تبينت أن تلك النماذج لا تتوازى فيما بينها ولا تتعادل في الموازين ولا النسب، فترجح مجموعة على حساب أخرى ، وقد يكون هذا الحكم من منطلق تجربة شخصية لا أكثر، قد تلقى منكم التأييد أو قد تواجه بالنقض والتفنيد، ليست مشكلة أبدًا، فلكل منا تجاربه التي منها ينطلق وعلى أساس ما اختبره يحكم وينحى منحى خاصا به، وتبقى الحياة فرصة للتعلم، ودرسًا عصيًا على الفهم فالموازين انقلبت رأسًا على عقب، وما كنّا نعدّه قانونًا أضحى مجالًا رحبًا للشك فيه وتوقّع ضدّه… في كل يوم حقيقة جديدة واكتشاف مبهر أو صادم أو باعث على الدهشة أو مخيّب للآمال والتوقعات، وأضف إلى ذلك ما لا يحصى من المصطلحات المحشوّة في ذهنك.
يا صديقي، أيا قارئ الكلمات، ستواجه في حياتك صنفا لا يفكر إلا في نفسه فيتربع على عرشه من الأنانية المفرطة والانتهازية الصّمّاء وادّعاءات جوفاء، انتفخ رأسه وتضاعف حتى لم يعد يرى من حوله، يقتنص كل فرصة سانحة ليثبت أنه الأقدر وأن رغباته مجابة فهو الآمر الناهي، وتغافل عن حقيقة أن الله أكبر.هناك صنف آخر بلغ من المكر والدهاء مبلغ الثعالب إن لم يتفوق عليهم – مع كونها في الثعالب فطرة وطبيعة وفيه تطبّع وخروج عن إنسانيّة الإنسان- سيجمّل لك كل أمر حولك، وسيوهمك بصداقة خداعة وأخوة حنون معطاءة، لكنه سيخذلك ويتركك في منتصف الطريق وحيدا – في أحسن الأحوال – إن لم يكن في بدايتها، يرفع من شأنه ويتصاعد على كتفيك بينما تنغرز قدماك أنت في الوحل. أما الصنف الثالث فهم الكثرة، ولهم الغلبة إذ ينكر معروفًا لك قدمته، وثقة زرعتها وقلبًا محبًا فتحته على مصراعيه له، فيدير ظهره لك حتى كأنك لم تعرفه قبلًا ويتركك تعض أصابع الندم على غفلتك إذ أحسنت الظن… نعم… بات حسن الظن بأمثاله خطأً لا يغتفر، سيتم استغلاله بأسوأ الصور وأبشعها. الزم حذرك وتجهّز للحظة الغدر تلك… أضف إلى القائمة من تجربتك أصنافًا ونماذج وصورًا أخرى غير ما ذكرت…
لكن ، تنبه، هناك صنف يعينك على قهر الحياة ويربت على كتفك ويشد من عضدك وأزرك، هم قلة إن لم يكونوا ندرة لكنهم يوازون كل ما ذكرت سلفا وينيرون دروبًا في قلبك كانت قد أقفرت وأظلمت، يشحذون همتك لتكون نصلًا حادًا يشق دروب الحياة من جديد، يقبضون على كفيك بحزم وعزم، ويغذون الخطى معك أن تقدّم ونحن معك، لن تفلت قبضاتهم ولن ترخو أصابعهم فقلوبهم رابضة على الصدق والأخوّة، عقدوا النية على انتشالك من قهرك والمك ووجعك فلا تخف ولا تقس على نفسك بالبعد عنهم، هم يدك الطولى للنجاة. لكن، ستصفعك الحياة بقسوة ووجع حتى تعرفهم وتستدل طريقهم، حتى تعرف من لك ومن عليك، ستأكل تلك التجارب من قوتك، وتقتات على ما تبقى من عزيمتك وصبرك ولهفتك وإقبالك على الحياة والسعي بدأب … فتيقّن، وتيقّظ، وإياك أن تظن يومًا بأنك تعرف شخصًا تمام المعرفة، وتتوهّم بأنك ملمّ ومحيط بجوانب شخصيته ودوافعه وأفكاره، فتفسر أفعاله وتصرفاته من منطلق تصورك لا منطلق حقيقته، وتؤطّره في إطار لا يشبهه ولا ينتمي إليه، وكن على يقين بأن: (في كل إنسان تعرفه إنسان لا تعرفه.)