في حضرة دمية / وائل مكاحله

في حضرة دمية

الغالية كنده..

سامحينا يا ابنتي.. أو لن أقول ابنتي فأنت ابنة شهيد أعلى مني مكانة بكثير، شُغلنا بكرة القدم ولقمة العيش وعراك النواب، ونسينا أن نسأل عنك كما وعدنا سائدا..

في العام المقبل تدخلين المدرسة مبتسمة، أعرف أطفالا لم يكفوا عن البكاء منذ أودعوا المدارس بداية العام حتى الآن، أنا واحد منهم يا صغيرتي، لم أزل أرفع يدي لأول عابر سبيل يمر أمام الحياة مصادفة كي يغيثني من كل هذا الزيف، حاولت أن أتأقلم مثلما حاول أبوك من قبل، لكنه امتلك شجاعة الرحيل آخذا معه ما تيسر من أعداء الحياة، أما أنا.. فالجبن الذي ميز أبناء جيلي منذ كان شعار المرحلة “الحيط الحيط”.. لا يزال يفرض سطوته على ارتعاد أصابعي من فكرة الرصاص والمدافع والرحيل..!

مقالات ذات صلة

في العام المقبل تدخلين المدرسة مبتسمة، لا تهتمي بتربيت الأيادي المشفقة على رأسك الصغير، ولا بالدرجات التي سيسبغها عليك رهبان العلم ظنا منهم أنهم يقومون بواجبهم مع ابنة شهيد الوطن، فأنت صاحبة الفضل عليهم جميعا.. ورد الجميل يجب أن يكون مكافئا للجميل نفسه، قولي لهم أن درجات العلم لا ترتقي لمرتبة درجات الجنة ودرجات الشجاعة ودرجات حب الوطن..

في العام المقبل تدخلين المدرسة مبتسمة، لديك كثير مما يفتقده أبناء جيلك، فبينما تعلمهم مناهج العلم مبادئ الحب والسلام القادم إلينا من الغرب العطوف، تعلمك مناهج الشهداء أن المسؤول ينجب مسؤولين.. والحراث ينجب حراثين.. وأن الشهيد ينجب أبطالا مثله.. كأنه يأبى أن يودّع الدنيا قبل أن يودِع فيها من يكمل من بعده المسير..

في العام المقبل تدخلين المدرسة مبتسمة، لن أزجرك كما يفعل البعض لأنك تلهين بدمية عجماء، أدرك تماما أن لهوك تدريب خفي على تربية جيل جديد من أبناء القلعة التي افتداها سائد بالدم والروح، فلك أن تكوني أما أو جنديا أو تكوني معلمة، فقط تذكري أن المناط بك أكبر من ضحكات الطفولة وأعظم من شباب يعيشون سنهم.. وأطول بكثير من قامات المعزين في خيمة تصنع من النحيب زغاريدا لأفراح الوطن..

في العام المقبل تدخلين المدرسة.. فتبسمي وتذكري أننا جميعا تلاميذ في حضرة هذه الدمية العجماء، قد سئمنا – وحق عينيك الجميلتين – من مناهج الأحياء..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى