في بيتنا وحش / ساجدة الكايد

في بيتنا وحش

جالت بنظرها في أرجاء المنزل.. الأثاث ممتد كسرابٍ لا ينتهي.. و قطعٌ لا تعرف كيف أتت.. و لماذا تُركت.. و فيم استخدمت أساساً..
يبدو المشي بين كومةٍ و كومة أشبه بالرقص على أنغام مقطوعةٍ من مقطوعات الأوبرا العالمية.. أو ربما كرقصةٍ بالية إن أخطأتَ خطوة لازمك ألمٌ لن تنساه سريعاً.. و خاصة إن كان ما دستَ عليه قطعة من قطع التركيب( الليغو ) في الظلام الدامس..

جلست بقربه خاليةً حتى من نفسها.. و أخرجت كل الهواء الذي في السماء في تنهيدة واحدة قادرة على إطفاء نار القهر التي تحتويها..
– ما بكِ ؟ سأل باستغراب
– لا شيء.. أعني لا شيء يعود إلى مكانه.. لا شيء يظل حيث يجب أن يظل.. هذه الدوامة أتعبتني.. أهلكت جسدي الذي لا يستطيع التغاضي عنها أبداً.. أنا مللت.. أنا م ل ل ت.. هذا الولد يجب أن يؤدب !!
– أدِّبيه إذن
– هكذا و بكل بساطة! خالد أنا تعبت أرجوك اسمعني.. أنا سأضع حداً لكل هذا.. يجب أن تسمعني.. هذا الوحش الذي يسمى ابننا يجب أن يروض و يتعلم أن الحياة ليست متنزهاً فقط !
– حبيبتي أنا أسمعك و أقول لك علِّميه
– الغائب الحاضر.. هذا هو أنت دائماً.. لا علاقة لك بشيء غير احتياجات المنزل.. تعلمْ أسعار السلع أكثر من علمك بولدك !!
– طيب.. ماذا أفعل ؟
– لو كنت أعلم ماذا يجب أن تفعل لفعلته دون أن ألجأ إليك !!
– طيب سأنادي عليه و أعنِّفه
– اه نعم .. عقّد الولد.. أنا أتحمله طول النهار لكي تأتي أنت تستعرض عليه قوتك ليلاً
– ألا تلاحظين أنك تسيرين بالأمر نحو خلافٍ قادم ؟!
– اه نعم.. نعم.. أنا اصطنع الخلافات.. أنا مشتاقة لخلافٍ ما يبعدنا و ينكد علينا يومنا و ينغص عيشنا.. ما رأيك !! آه نسيت أني صاحبة المزاج العكر الذي لا يناسب شخصيتك.. نسيت أني من يختلق المشاكل دائماً.. نسيت أني سبب تعاستك في الحياة !!
– لكن….
– لكن! لكن! ما زلت تُبرر!!

و هنا من داخل الغرفة يُطلّ وحشنا المنتظر بوداعة أطفال العالم أجمع قافزاً فوق الألغام التي زرعها على الأرض و يداه مفتوحتان كالجنة للمؤمنين.. معانقاً أمه لتذوب كقطعة سكرٍ هشة و هي تقول :
يا عمري.. يا عمري.. أنا بحبك يا ماما.. أنت حبيبي.. أنت أغلى ما لدي
بينما الأب ينظر كحاسوبٍ أصابه فيروس ما ففقد الاتصال بمن حوله إلا من شاشة غير مفهومة.. ترمقه الأم بنظرة غضب و عتب :
– لا تكلمني فهمت.. من هذه اللحظة أنا و أنت متخاصمان.. حتى تُقرّ بخطئك..
انتصر الوحش كالعادة.. و خسر الجميع
#قلم_بعثرات
#ساجدة_الكايد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى