في الصميم

في الصميم
د. هاشم غرايبه

تعتبر أفغانستان بلدا صغيرا وفقيرا وغير مؤثر على استقرار الغرب ورفاهه، لكن العنجهية التي تولدت من غطرسة القوة، إضافة الى كون سكانه مسلمين، أطمعتهم بالاستيلاء حتى على القليل مما لدى هؤلاء الفقراء، الذين ما إن تنفسوا الصعداء بعد ان تخلصوا من الطامعين الروس عملائهم المحليين، حتى جاءهم الطامعون الأمريكان يحملون على دباباتهم كالعادة عملاءهم العلمانيين المحليين من طراز “قرضاي”، لاحتلال هذا البلد بحجة حماية حق الفتيات في التعليم، وخلال ربع قرن استخدمت فيه أمريكا كل ما أمكنها من قوة وذخائر هائلة التدمير، فشلت في السيطرة الميدانية إلا على بقع محددة، رغم أن المقاومين لا يملكون سوى الأسلحة والذخائر البسيطة، التي أغلبها من صنع أيديهم، فاضطرت الى سحب قواتها بعد أن جعل المجاهدون الأفغان كلفة الاحتلال باهظة، كما فشلت في فرض نظام سياسي عليه عميل للغرب، مما اضطرها الى التفاوض مع المجاهدين لتحقيق ولو جزء بسيط من أهدافها.
في البداية طلبت من طالبان نزع سلاحها، فأجاب ممثلهم: لولا هذا السلاح ما كنتم طلبتم التفاوض، فتنازلوا وطلبوا وقف العمليات القتالية، فرد عليهم سنوقفها جزئيا وخلال فترة محددة نقدرها خلال عملية المفاوضات.
لم ينته الصراع بعد، لكن بدأ التنازل من الطرف المعتدي، رغم أنه ما زال القوي عندما وجد صلابة الإرادة للمقاوم، لأن صراع الإرادات أهم من صراع الأدوات..وهو الذي يحسم النتيجة.
أوردت هذه الحالة للمقارنة مع حالتنا العربية في الصراع مع الكيان اللقيط، ولاستنباط العبر الكثيرة، وسأقتصر على التالية:
1 – التفاوض مع الغازي لا يكون إلا إن كان هنالك مقاومة، لذلك فإسقاط خيار استخدام القوة مسبقا من طرف من يدعي أنه زعيم عربي مخلص ويسعى لتحرير الأوطان من خلال ما سمي ب”عملية السلام” تحت شعار “السلام خيارنا الاستراتيجي”، هو تمويه لعملية استسلام ذليلة للغزاة بلا شروط.
2 – لا يوجد شعب قاوم الغزاة اعتماداً على توازن القوة، فالغازي لا يطمع إلا ببلد ضعيف خائر القوى، ولو كان متفوقا عليه أو حتى يوازيه قوة ما جرؤ على مهاجمته أصلاً، لذلك فالتخلي عن الكفاح المسلح بذريعة التفوق العسكر للكيان اللقيط ليس عذرا مقنعاً.
3 – لا نحب القول أن هرولة الأنظمة العربية لاستجداء التفاوض مع المحتل، والتخلي المسبق عن خيار استخدام القوة، ثم التطوع بإسقاط الورقة الوحيدة (الاعتراف بحق الكيان اللقيط في ما احتله)، ثم التسابق لتوقيع اتفاقيات الإستسلام معه… لانحب ولا نريد اتهام هذه الأنظمة بالخيانة للأمة التنكر لواجبها الأساسي في الدفاع عن الأوطان، لأننا لا نعتقد أن حاكما عربيا لا يطمع بأن يسجل له مجد تحرير فلسطين.
لكن كل واحد منهم يعلم استحقاقات ذلك المجد، وعلى رأسها الإخلاص للأمة لكنه فعليا للكرسي، ويليها الإيمان بأن الولاء يجب أن يكون للوطن والشعب، لكنه يعلم أنه لم يأت بخيار الشعب ولا بالإنتخاب الحر، بل بمكرمة من الغرب، لذلك فولاؤه لولي نعمته، الذي بيده بقاؤه أو إزاحته، وأما الإستحقاق الثالث فهو أن من يعمل حقا للتحرير ويسعى لتحقيق آمال الأمة مثلما سعى صلاح الدين وبيبرس، لن يكون همه تكديس الثروات في بنوك الغرب، فيما نرى أن رصيد أفقر حكام العرب سبعين مليارا!.
4 – ولو تجاوزنا الإتهام بالتخوين والعمالة للغرب المستعمر، فماذا نسمي حصار المقاومين الذين اختاروا الإنتصار لكرامة الأمة بذاتهم، ولم يطلبوا من هذه الأنظمة دعما، ولا من جيوشها التي لا مهمة لها غير حماية عروشها عونا!؟.
غزة بقعة صغيرة من فلسطين، رفضت التسليم للمحتل، قاومت بالإعتماد على الذات، حاصرها النظام المصري دعما للكيان اللقيط، وبصورة أقسى بكثير من العدو، فزرع الحدود بجدار من الحديد بعمق تراوح من 20 إلي 30 متر تحت سطح الأرض ويتكون من صفائح صلبة طول الواحدة 18 متر وسمكها 50 سم مقاومة للديناميت ومزودة بمجسات ضد الاختراق، كما يتضمن ماسورة تمتد من البحر غرباً بطول 10 كم باتجاه الشرق يتفرع منها أنابيب مثقبة تقوم بضخ الماء باستمرار بهدف إحداث تصدعات وانهيارات للأنفاق.
كلفة ذلك ملياري دولار، تكفي لحل مشكلات مصر لو استثمرت لمصلحة الوطن.
من لا يريدون مقاومة المحتل هم بمفهوم العقيدة منافقون، لكن من يناصرونه ويحاربون المقاومين، ماذا نطلق عليهم؟ .. ومن يؤيدون أفعالهم ويدافعون عنهم ..هل يطمعون أن يلقوا ربهم بقلب سليم!؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى