.الحاكورة

[review]يأسرني منظر ”سنسلة حجرية” اندلق جزء من حجارتها وتجمّدت في مكانها، و”حرذون” يستجمّ بين شقوقها بعيد العصر،و قرب حافتها ”حوض” غسالة عتيق أو طشت مكسور..عشوائية ”الحواكير” هي سحرها ، وتلك الرتوش المرمية هنا أو هناك..مثل ”حفاية” قديمة، قطعة بربيش مسطوح، دمية تالفة مقطوعة الرأس، عظام طيور مفترسة، جرائد قديمة تحللت في حوض الشجر، فامتزج طعم الحبر بتكوين الزيت هي لوحتها..وأشياء كثيرة كثيرة أحتجب عن ذكرها هنا ليخلد سحرها هناك..للحواكير حديثها الخاص عند ”تلقيط” الزيتون..صوت الحبّة الأولى في قاع التنكة الفارغة..يشبه صوت القطرة الأولى على سقف بيت ”الزينكو”..وطرق البسطار على حافة السياج قبيل ارتدائه للتأكد من خلوه من العناكب والعقارب وشتّى ”البواهش”..ينذر بيوم طويل وصبر جميل وموسم طيّب..مزيج الضحك و”الوشاية”، و”مسك الشل” المتلازم مع مسك عرق زيتون جديد.. جرد الحبّ مع جرد سيئات الغائب وجمعها في وعاء الوقت..والحديث عن زمان، وعن الجيران..وعن كل شيء يتذكّرونه لحظة القطاف..هي تراتيل القطاف..” هي يا زلمة لا تقع تنكسر”: تحذير عادة ما تطلقه الحجة لزوجها ”الحجي” الحريص على ”تفلاية” غرّة الشجرة..وعندما يتجاهل الحجي تحذير ”السوبر فايزر” معتمداً على سيرته التاريخية رافعاً ساقه الأولى على جذع غليظ والساق الأخرى على حافة البرميل بزاوية 140 درجة ..تقول بصوت مرتفع يسمعه الجميع..” هسع بِيقع ”بينفلخ”..وبنصير نقول وين راحوا النشامى”..***القطاف أراه تسريحاً سنوياً لشعر الزيتون..وتجهيز عرائس الشجر لزفاف المطر القادم.. فكل فرد يحمل وعاءه بيده – غالباً ما تكون ”تنكة سمنة غزال” فارغة او دلو رايب قديم- تفرغ جميعها في دلو كبير مركون في المنتصف..صوت التفريغ..هو ثرثرة الحَب الجديد في الوعاء .. تثير هذه الثرثرة الزهو عند العاملين ، لكنها تثير الحزن أيضاً.. عندما يشعر ”الشغّيل” ان وعاءه الممتلىء قد فرغ فجأة..وعليه ان يبدأ من جديد..الأوعية هي الملتقى الذي يخلق التعارف بين حبّات الزيتون الصامتات الصامدات المتجاورات على غصن واحد منذ عام..وهي التي تجمع بين جارات الزهر والريح لحظة ”الرصيع”..***في آخر النهار يحضر ”سيّد الأمزجة” – إبريق شاي بالمرمية – يوضع تحت الشجرة الكبرى ..يتهافت الجميع من كل مكان ثم يلتصقون تحت ظل التعب مثل غيم أيلول..يرشفون الشاي والحديث والصمت ، يتركون بصماتهم على خصور الأكواب.. ينام طفل رضيع على صدر أمه…تذوب الشمس وتصغر كقطعة ثلج على طرف السماء ..يحاول الجميع التظاهر بهمّه متهدّله أنهكها كوب الشاي..منتظرين أول مسحة عتمة، ليغيبوا في بيوتهم ..عندها فقط ، عندما ينعس الشجر من حركة ايدي العامين ..يصدر ”السوبر فايزر” عبارته المنتظرة بمنتهى الذكاء والرحمة : ”خلاص ما ظلّش فيها.. روحوا”…ahmedalzoubi@hotmail.comأحمد حسن الزعبي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى