ولد العشيرة وجاره السوري “ابو ديبوه”!
د.ماجد توهان الزبيدي
يختلف ولد عشيرتنا “ابو خميس المريعي” عن كثيرين من بيننا ، ،إذ هو في الخمسين من عمره،وتقاعد مبكرا من وظيفته ،وأحد القلة القليلة ممن يشارك مستمعا في الندوات واللقاءات الثقافية والفنية ،من دون إبداء لأي رأي فيها،وربما الوحيد بيننا ممن له زاوية ثابتة في مقهى “الكمال والرقي”في المدينة المجاورة!
ضاق ابو خميس ذرعا من حظر التجول بسبب جائحة “العرص كورونا”،وامسى الرجل عصبيا على غير عادته،وبات أكثر إشتباكا مع زوجته وولده خميس(قاروط عرص مشهور بسرقة حاويات الزبالة الحديدية التي يتبرع بها ، “الإتحاد الاوروبي” ،لنا ،ولغيرنا من الأشقاء ،ثم تطعيجها وتغيير معالمها ،وتاليا بيعها لمحلات الخردة!) وربما زادت عصبية ولدنا ،لما أحسه عيانا،من كثرة تبذير أم خميس في المطبخ من دون اي حساب لكمية الزيت او البهارات وغيرها من المواد الكيميائية من شامبو وسائل جلي و”سيرف” ومحارم وخلافها!!فضلا عن كثرة نط القواريط في الحارة ،وضجيج صراخهم على مدار 18 ساعة من اصل ساعات اليوم الواحد!! وربما أيضا لإنفاقه مئة وسبعين دينارا على شراء مواد الطعام لتكفي عشرة أيام من أيام الحظر القادمة!
وبينما هو ينفخ الآهات خلف شباك منزله،شاهد جاره السوري الدرعاوي “ابو ديبوه”،مثله ،ضجرا من الحظر ،فردا السلام على بعضهما ،ثم بادر ابو ديبوه ،لا شعوريا ،على دعوة جاره على فنجان قهوة.
إستغرب ولدنا ابو خميس من حسن ترتيب بيت جاره اللاجىء،والهدوء شبه التام ،كأنك في مقبرة!على الرغم من وجود أم ديبوه وابنائها الأربعة في البيت الصغير!ثم إرتفعت درجة حرارة إستغرابه ،وهو يسمع:”عمري ابو ديبوه ،الأهوه(القهوة) جاهزة، تئبرني”و”روحي ابو ديبوه ،بعد إزنك (إذنك)،خز(خذ) صحينات الفواكة المجففة،إلك ولجارنا ،ربي يحفزكم!
”
ولما كان الجاران مثل عامة رجال العرب من متعلمين وغير متعلمين،لاهم لهم سوى الأكل والشرب ،بادر ولدنا ابو خميس بسؤال جاره:”شو إشتريتم خيوه من تجهيزات للحظر..”؟
رد ابو ديبوه:والله ياجار اختك أم ديبوه ،عاملة من زمان زاوية مونة فيها حوالي مئة وخمسين مرتبان:مربيات ومكابيس وفواكة مجففة وخضروات مسلوقة وزيت وزيتون واشياء أخرى لذيذة..”،واضاف:”تقدر تقول خيوه إشترينا بحوالي خمسة وعشرين دينار أردني تجهيزات أخرى للحظر!
– ذهل ولدنا ابو خميس من جواب جاره!!وقارن مع وضعه المنزلي من حيث التدبير والإنفاق،ثم تجرأ على السؤال ثانية:”جارنا هل زاد إنفاقكم على الطعام والشراب خلال الحظر؟ ..رد ابو ديبوه:”لا أبدا ياجار :كيلو طحين واحد يعمل سبع ثمان طبخات !العشاء او الإفطار مثلا :عجينة مفروشة في صينية ،فوقها زيتون وبندورة وشوية جبنة ونصف حبة فلفل ،او ماتيسر من خضروات،ثم إدخالها للفرن،وتناولها مع إبريق شاي”!! ..الغداء مثلا ياجار :صحن لبن مع مفركة بطاطا ،او طنجرة شاكرية ،او صينية بطاطا مع نصف دجاجة، او طنجرة مجدرة ،او طنجرة “حراء إصبعه”،أو قلاية بندورة مع مقبلات من بيت المونة
!!…
ذهل ثانية ولدنا مما سمعه،وراح شريط متواتر يمر امام ناظريه،من مثل :” غداء ام خميس مؤلف من صينية بطاطا مع دجاجة كيلوين ونصف الكيلو غرام ، مع صينية كفتة ،وطنجرة ملوخية في الغداء الواحد! ومن مثل:طلبات ام خميس وولدها العرص ابو الحاويات،لوجبات الشاورما ، وتوصياتها لطلبات حلويات “الكلاج”النابلسية ،غالية الثمن!! وكل ذلك مع عبارات المدام (117 كيلوغرام):”ولك ياخميس يازفت خذ الطنجرة ،”إتقلعط” مع ابوك”!! ثم راح ولدنا ،ثانية،يحشر خشمه عميقا في شؤون جاره السوري :” والله ياجار انا مستغرب من كلامك!!انتم بلا مؤاخذة حوارنة من درعا ،مثلنا ،يموت الواحد منكم ومنا على بطنه ،وواحدكم يلتهم لوحده ،مثلنا تماما،تيسا مشويا او مطبوخا ، في وجبة واحدة! غريب أمر تدبيركم
“!
– ضحك ابو ديبوه وقهقه عاليا ،ثم قال:”خيوه ابو خميس ،انا عشت من سن ال18 في الشام حتى 2011م،وزوجتي من “داريا” من ضواحي الشام ،والدها حلبي ،وأمها من منطقة الصالحية من قلب الشام….وهنا قاطعه ولدنا :”أيوه هيك !من الصبح قول هيك”!واضاف:إن شاء الله نسايبك “طيبين”(أحياء)”!..
– رد ابو ديبوه: عمي ابو زوجتي استشهد بقذيفة هاون ،أما عمتي فهي تعيش لوحدها ،مش قادرين نجيبها تعيش معنا هون في الأردن..” وهنا قاطعه ولدنا:”خيوه هي عمتك كم عمرها،وكيف صحتها”؟
– رد ابو ديبوه:”والله ياجار بعدها صبية عمرها 43 سنة ،تزوجت في عمر ال15،وجهها ابيض وأحمر،مثل حبات الأجاص الشامي(الجاص أو الإنجاص بلهجتنا ،و”عرموط” بلهجة أهل العراق).
إنتعش كيان ولدنا ابو الهامل خميس وإنتشى وجهه،وبات لمعان عينيه وبريقهما يعم المكان ،وتحركت أحاسيسه وفاضت، ثم اقسم اغلظ الأيمان لجاره السوري:”خلال إسبوعين على الأكثر تكون عمتك بيننا،وخلال سنة سأمنحها الجنسية الأردنية ،وفق القوانين السارية ،..أنا من ماشفتك يابو ديبوه أول مرة جئت لاجئا عندنا قلت في نفسي : هذا هو جار الهناء والسعادة؟؟!!!
