عيد الميلاد / د. هاشم غرايبه

عيد الميلاد
د. هاشم غرايبه
في كل عام ومع احتفالات عيد الميلاد، يتجدد الجدل بين من يُحرّمون ومن يُحِلّون تهنئة المسلم للمسيحي بهذه المناسبة، فالذين يحرّمون ذلك يقولون أنه ليس بهدف المقاطعة بل خوفا من أن يسجل عليهم ذلك عند الله أنه موافقة وتقبل لفكرة أن المسيح عليه السلام هو ابن الله المنجب، وهذا شرك بالله يحبط أعمالهم ويودي بهم التهلكة.
أما الذين يحلون التهنئة، وهم الغالبية العظمى، فلا يرون فيها إلا تبجيلا وتعظيما للسيد المسيح وأمه مريم عليهما السلام، ومشاركة اجتماعية لأصدقاء، هم من أبناء الأمة، وقياما بحق الجار مهما كان دينه ومعتقده، وهذا لا يعني أبدا الإقرار ببعض المعتقدات الخاطئة التي يعتقد بها كثير من المسيحيين، لأن البت فيها جاء واضحا وصريحا في كتاب الله، والذي قطع الجدل في هذه الأمور، فلم تبق حجة لمن يماري بعد أن أنزل الله القرآن، فلن نقول له إلا بما أوصى الله رسوله بقوله:” قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ “.
من المعروف أن الجدل ظل قائما في أوروبا حول تحديد الميلاد، وقد ورد في ” دائرة المعارف البريطانية “المجلد الخامس ص:642 :”لم يقنع أحد مطلقاً بتعيين يوم أو سنة لميلاد المسيح – ولكن صمم آباء الكنيسة في عام 340 بعد الميلاد على تحديد تاريخ للاحتفال بالعيد – اختاروا بحكمة يوم الانقلاب الشمسي في الشتاء، الذي استقر في أذهان الناس، وكان أعظم أعيادهم أهمية حول موعد الميلاد”، وكان أغلب الأوروبيين يعبدون الشمس ويعتبرون موعد الإنقلاب الشمسي هو ولادتها، ومن المعروف أن قسطنطين رغم تنصره إلا أنه أبقى رمز إله الشمس على العملة البيزنطية، لذلك كان مناسبا له توحيد العيدين في عيد واحد، فبقي الأوروبيون يربطونه بالثلج وشجرة الصنوبر، وهي مما يعرفونها في بلادهم لكن المسيح عليه السلام من أبناء فلسطين، وهذه الأمور ليست مألوفة فيها.
ورد في إنجيل لوقا إصحاح 2 عدد 8-11: “وكان في تلك الكورة رعاة متبدين، يحرسون حراسات الليل على رعيتهم، وإذا ملاك الرب وقف بهم …، إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح”.
ولما كان من غير المعقول أن يأتي الرعاة في فصل الشتاء لتلك المنطقة، لذلك يشكك الباحثون في دقة التاريخ.
وإن بحثنا في المصدر الوحيد المطلق الدقة وهو القرآن الكريم، فلن نجد أية إشارة الى التاريخ أو حتى المكان، وذلك منطقي فلا الأماكن في الدين ولا التواريخ مقدسة ، القدسية تأتي من إرادة الله.
فعندما أراد الله أن يخلق بشرا، خلق آدم ونفخ فيه من روحه، طلب من الملائكة السجود، ليس لشخص آدم بل لإرادة الله التي خلقته وشاءت له أن يوجد، كذلك آدم لم يكتسب القدسية بذاته من نفخ روح الله فيه، فلا يصح أن نعتبره متصلا بالذات الإلهية ومستحقا بذلك للألوهية، بل يبقى عبدا مخلوقا مفتقرا الى رحمة الله وعطائه.
وكذلك كان خلق عيسى عليه السلام، “إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ”[آل عمران:59]، ورغم كثرة المعجزات التي أكرمه الله بها منذ ولادته الى أن رفعه إليه ولم يسمح للمكذبين برسالته بصلبه، إلا أن ذلك يجعله من عباده المكرمين، ولا يكسبه الألوهية والربوبية التي هي لله فقط لا ينازعه أو يشاركه فيها أحد من مخلوقاته، وأكد ذلك بما لا يقبل التأويل بسورة الصمد.
نستخلص أن تبادل المجاملات والتواصل الإجتماعي هي من أخلاق الإسلام ..فكل عام وأمتنا بخير بمسلميها ومسيحييها، وندعو الله أن يعجل بفرج هذه الأمة واستعادتها ما اغتصب منها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى