عواد وحكاية وطن

عندما كنت صغيرا كانت تأسرني شخصية عواد سايق التراكتور في قريتنا
كان طويل القامة اسمر اللون.. قوي البنية..وشاربان مفتولان عريضان كثيفان.. وصوته جهوري تظهر ابتسامته ونابه الذهبي من تحت شعيرات شاربه
يرتدي بدلة الفوتيك الأخضر والقايش الأخضر العريض ويلف الشماغ حول العقال بطريقة هندسية.. ونظارة شمسية ضخمة العدسات
كنت أحلم أن اجلس خلف مقود التراكتور… (وافتل) به شوارع القرية.. و ازيد دعسة الديزل حين أمر أمام مدرسة البنات كما يفعل عواد..
.
ولكن عواد تغير فجأة.. استبدل الشماغ بطاقية قش.. و الفوتيك ببنطال (جينز) وقميص.. وقص شاربيه إلى الحد الأدنى.. قالوا إن عواد سيتزوج قريبا.. وتلك شروط الخطيبة
.
تزوج عواد.. باع أرضه والتراكتور.. واشترى (بكم صغير ) يعمل عليه بالأجرة ثم باعه…
عواد يعمل حارسا على باب المصنع الذي بني على طرف أرضه التي باعها..
يجلس عواد.. على الكرسي أمام بوابة المصنع (يفتح ويسكر)..بعد أن كان يرقص بمقود التراكتور حرا يجوب الأرض ويرسمها ويتفنن في خطوطها..
كان عواد يغفو على كرسيه حين عبث الصبية ببوابة المصنع وظهروا على كاميرا الباب في مكتب المدير..
.
أضحى عواد بلا عمل.. بلا أرض.. بلا مقود… بلا شيء
منذ أيام مررت بالمقبرة.. وكانوا يشيعون جثمانه…. يقولون أنه مات كمدا
. قرأت الفاتحة على قبره ثم مضيت.. وتوقفت مقابل أرضه التي غدت غابة اسمنت يتداولها الباعة والسماسرة والتجار
.
جلست على صخرة اقتلعوها من أرضه.. تذكرت هيبته فوق التراكتور بكامل زينته… تذكرت قفزته حين يهبط لشرب شاي النار الذي اعتاد أن يطلبه بالنداء واقفا على ظهر التراكتور من بعيد..
تسللت من العين دمعة.. وتبخرت
ربما أنني تذكرت الوطن

وليد_عليمات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى