عندما تتقهقر الجامعات..

عندما تتقهقر #الجامعات..

د. #فلاح_العريني

جامعة اليرموك، تلك الجامعة التي خلدت بطولات خالد بن الوليد، والتي حطت رحاها في اقليم الشمال الأشم، واختارت عروس الشمال، ارابيلا الماضي واربد الحاضر مستقرا لها..
تلك جامعتي في تسعينيات القرن الماضي، والتي كانت رمزا للعطاء، حتى إنني أذكر أن أحد الأقسام حصل على المرتبة الأولى على مستوى جامعات الشرق الأوسط، وكنا إن تفاخرنا بعلمنا أمام طلبتنا والجلوس، يكفي أن نقول: إننا خريجي اليرموك، وكانوا ينادوننا حينها: أيها اليرموكي..
واليوم وبعد أن مضى على تخرجي من هذه الجامعة العتيدة قرابة الثلاثون سنة، ساءني، بل ساءني جدا ماحل بهذه الجامعة من وهن وضعف وهوان..
أحد الناصحين لي عندما اخبرته بأنني سأكتب عن وهن اليرموك وهوانها، طلب مني أن أكتب دون أن أذكر إسم الجامعة حتى لا اقع تحت طائلة المساءلة القانونية وبتهمة القدح والذم والتحقير، وحتى لا تكون عظامي بين سندان القضاء ومطرقة الجرائم الإلكترونية، خصوصا أن اليرموك تفوقت مثيلاتها من الجامعات الأخرى في الوقوف على أبواب المحاكم.
اعذرت صديقي، ولكنني أخبرته إنني ناصحا لجامعتي، ولها علي حق النصح دون تجريح أو تحقير، وليس هذا أو ذاك من شيم قلمي، خصوصا وإنني أشهد الله بعدم معرفتي بأي شخص في الجامعة ولا حتى اسم عطوفة رئيسها حتى لحظة إعداد هذه السطور، أو أي عضو هيئة تدريس فيها، إلا اثنين أو ثلاثة أعرفهم من خلال هذا الفضاء الإلكتروني ولم التقِ بهم يوماً..
ماذا حل باليرموك؟
#جامعة_اليرموك أصبحت مسرحاً للقضاء، ومعهد خبرات في تطريز الشكاوى المتبادلة بين الإدارة وأعضاء الهيئة التدريسية، واصبحت محجاً لكتم الأنفاس أمام من يحاول أو يفكر جاهدا بنقد أي سلوك في هذه الجامعة العريقة، حتى بات من يحاول تصحيح المسار يقع تحت طائلة غضب الكبار وسرعان ما يزج به في قفص الإتهام وتشكيل اللوبيات نحو قطبي الجامعة، قطب الناقد وقطب الحاقد..
لقد وصلتني الكثير من القضايا على الخاص تشرح واقع الحال المتردي في هذه الجامعة، ويؤسفني أن أقول أن معظم الشكاوى مالم تكن جميعها، جاءت ردا على النقد الذي تسطره أيادي أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة والذين يرون وحسب ما قرأت لمنشوراتهم بأن جامعتهم تهوي نحو فصل الخريف بعز الربيع، وانهم يحاولون بكل قوة وصبر وروية أن يعودوا بجامعتهم نحو خضار العلم وينبوع المعرفة، بعيدا عن أي مشادات او تكتلات تصنع خصيصا لمحق أي كلمة حق تنسج على اسوار هذه الجامعة..
على الطرف الآخر نجد أن القضايا التي يرفعها اساتذة هذه الجامعة تحسم لصالحهم وهذا دليل على نزاهة القضاء من جانب وصدق الرواية التي تنسجها ايادي الناقدين من جانب آخر، ولا ادلل على ذلك بأكثر مما حصل سابقا مع استاذ العلوم السياسية المرموق الذي يحظى بسمعة دولية البروفوسور محمد تركي بني سلامة والذي ارهقته جامعته حتى انتصر اليه القضاء وانصفه وكسب اكثر من قضية بحق وعدالة، والذي ساءه تراجع جامعته على كافة الصعد و كتب بالأمس مقالا نابعا من حرصه على الجامعة والمصلحة العامة، وها هو يواجه اليوم قضية مرفوعه ضده، يتهم فيها بالقدح والذم والتشهير، رغم إنني قرأت ولمست في حروفه الغيرة على الجامعة والخوف عليها من السقوط المدوي لا سمح الله.
واليوم من يربد أن يسأل عن أي عضو هيئة تدريس في جامعة اليرموك عليه التوجه لدى محاكم اربد، فجلهم هناك بانتظار أن ينادي عليهم القاضي بصفتهم مشتكى عليهم تحت بند القدح والذم والتحقير، وبذلك يكون غيابهم مشروعا، وهذا يجعلنا نتساءل أين حق الطالب في التعليم،
إن جامعتنا اليوم مشغولة بالقضايا التي ترفع من لدنها ضد المدرسين أو العكس، وجميع ذلك جعل من الجامعة مسرحا وبيئة خصبة لتلقي علوم القضاء كواقع عملي، حتى بت أقول في قرارة نفسي: لو إنني أملك حق القرار لأسميتها جامعة اليرموك القضائية..
المجتمع المحلي وأولياء أمور الطلبة باتوا مرهقين من هول التراجع وتغييب مصلحة الطالب وانشغال الجامعة بالخلافات والتي هي تمثل جزءا كبيرا من هذا الأمر..
إلى متى ستبقى الجامعة كخلية نحل في إعداد الشكاوى، ومراجعة القضاء ومناكفة الحقيقة على حساب مخرجات العملية التعليمية.
أمر مؤسف ومؤلم جدا أن تصلني الان وأنا اقوم بإعداد هذه السطور صور لأكثر من شكوى موجهة من إداريين ضد اعضاء هيئة تدريسية..
فهذا يعني أن الغياب زاخرا وان الطالب مطية في جامعته وأن الجامعة لم ولن تستطيع ادارة نفسها بشقيها الإداري والأكاديمي، إلا إذا لجأنا إلى اسناد الجامعة بجمع غفير من الإداريين تحت مسمى مساعد رئيس الجامعة لشؤون القضايا، مساعد رئيس الجامعة لإعداد الشكاوى، …..الخ من المساعدين..
اليرموك بحاحة إلى صحوة أو حركة اصلاحية داخلية بحلة جديدة متصالحة مع نفسها أولا ومع اعضاء الهيئات التدريسية ثانيا، وخلاف ذلك سيكون الإنهيار التعليمي شبحا يطارد جامعتنا الحبببة كل وقت وحين..
أتمنى أن تصل حروفي لصاحب القرار وصانعه وأن يدركها بلغة الناصح الأمين وأن لا ينصب لي العداء على هذا النصح القويم، حتى لا أكون فريسة جديدة لقانون الجرائم الإلكترونية..
فيا سادة يا كبار..
يا اباطرة #التعليم العظام..
في ظل غياب وزارة التعليم العالي عن مسرح اليرموك التعليمي، وصمت هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي بشكل مخيب للآمال، فلم يبقَ أمامي إلا أن اذكركم بقول الرسول عليه السلام:
“كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”
وعليه أقول: من وجد في نفسه ضعفا أو تقصيرا أو محاولة لتصفية الحسابات بالتحريض والكيد والعناد على حساب سمعة التعليم وحق الطالب المتلقي للمعلومة، فليترجل وليفسح المجال لمن هم أكفأ وأوفر حظا في الحياة الدنيا، أما الآخرة فعلمها عند الله..
اليرموك ليست ملكا لأحد، وليست مزرعة ليمون حامض، ولا اسوارها محاطة بالتبغ والحنظل..
اليرموك صرح علمي له وجوده العالمي ويمثل الأردنيين جميعا بعيدا عن الإقليمية والجهوية، فالنقد الشريف حق للجميع، والكلمة الطيبة عابرة للحدود إن شاء الله، خصوصا في زمن بُعد وزارة التعليم عن واقع التعليم، أما هيئة الإعتماد فتحتاج إلى مزيداً من التفكير في نفسها وواجبها تجسيدا لقوله تعالى:
“وقفوهم إنهم مسؤولون”.
اللهم إنا بلغنا حسب ما تقتضيه مصلحة الوطن، وما تحركه فينا ضمائرنا..
اللهم فاشهد.. اللهم فاشهد.
د.فلاح العريني
دكتوراه في القانون التجاري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى