علي السنيد … سنوات القهر والصبر

سواليف
حاوره احمد القبيلات:

خلف شخصيته الهادئة تسكن سنوات هائجات من القهر والصبر، وتمتد الى اللحظات الاولى التي ابصر فيها النور في ثنايا عائلة فقيرة لاب يعمل بالاجرة اليومية ، ويقف في سوق مأدبا حيث يحمل اذا عمل في ذلك اليوم الطعام لاطفاله الصغار، واذا عاد بخفي حنين بقيت عائلته بلا قوت يومها. ولكن آثار فقر تلك العائلة الصغيرة غرقت في جو عام من الفقر يلف اجواء قرية مليح الوادعة.
ومنذ نعومة اظفاره بدت عليه ملامح النبوغ، وكان متقدما في دراسته ومثار اهتمام المدرسين، وكان شغوفا بالكتب التي تناسب مرحلته العمرية، وكان يقف الساعات الطوال امام احدى المكتبات عند دوار البلدية في مدينة مأدبا يطالع اسماء المجلات . وعندما كان يكبر اكب على القراءة بلا هوادة. هو كان يعمل كأقرانه في مزارع الوالا ويجلب بعض النقود لامه. وكذلك درج على بيع الصحف لاحدى المكتبات.
وعندما كان يكبر اتسعت افاق اطلالته على عالم الكتب، وكانت محطة دراسته العلوم السياسية في الجامعة الاردنية تحمل في طياتها اتساع مداركه الفكرية حيث كان يقضي جل وقته بين اوراق الكتب، ويعيش قصصها واحداثها ويطوف على قمم الفكر البشري بخياله حتى حفظ رفوف مكتبة الجامعة الاردنية، وقد قرأ كتب الفلسفة ، والتاريخ، والادب العربي والعالمي، ورموز الادب الاردني، وكانت لا تبرح يده الروايات التي قرأ اغلب المشهور منها، وتوسع في الفكر السياسي، والاديان، وبحث عميقا في الفكر الاسلامي، وجال في كافة جنبات الفكر الانساني من خلال الكتب المترجمة للعربية، وبلغت حصيلة قراءته الاف الكتب، واطل على الحكمة البشرية من خلال كبار الفلاسفة والمفكرين ومن كل الامم، وغاص في مخيلة الشعراء، وكانت تلك الاطلالة تمنحه القدرات الفكرية واللغوية، وتنمي موهبته في الكتابة حتى ولج عالم الحرف، وكان كتابة الاول نتاج تلك المرحلة، والذي عرضه للسجن للمرة الاولى في العام 1996 ، وصادف تخرجه من الجامعة الاردنية. ولم ير هذا الكتاب النور الى اليوم وهو يحتوي فصول مسرحية سياسية اطلق عليها اسم ” الملك والمتمرد”.
كانت سجنته الاولى مترافقة مع حالة الحزن التي ظلت ترافقه طوال السنوات التي سبقت من عمره حيث كان يعيش مرارة الحياة، وبالكاد يستطيع تدبير شؤونه في الجامعة، وان كان برز كأحد النشطاء فيها، وظل يطوف بخياله على عالم الفكر، والمعرفة، ويبحث عن حياة افضل دونها على صفحات كتابه السياسي الاول الممنوع.
تمت مداهمة منزل عائلته المتواضع ليلا في مليح، وجرى القاء القبض عليه، واودع في سجن المخابرات، وبقي لعدة اسابيع قيد التحقيق، وكانت المرة الاولى التي يتذوق فيها طعم الاحتجاز ، وكان في الجامعة قد بدأ خطواته الاولى في السياسة حيث التحق بالاجتماعات الحزبية، وبدأ بالكتابة.
افرج عنه بكفالة عدم النشر، وانزلته سيارة المخابرات العامة في الشارع العام المقابل لمبنى المدينة الطبية، وتنسم هواء الحرية مجددا وارتبطت تلك اللحظة في نفسه كأحدى اماسي الحرية الرائعة.
كان لا يحمل نقودا ، وقد اعتقل على عجل فمشى على قدميه حتى وصل الى الدوار السابع، ومن هناك استقل احدى سيارات الاجرة مع بعض اصدقائه الذين امنوا عودته الى منزله.
تمضي الايام سريعا حيث يجد نفسه في نهاية تلك السنة معتقلا للمرة الثانية وليواجه تهمة اطالة اللسان في حادثة شهيرة ترتبط ببيان سياسي اصدره وله علاقة بزيارة الملك الراحل الحسين الى محافظة مأدبا. وفعلا تجري محاكمته ، ويتم حكمه بالسجن لمدة سنة ونصف السنة، ويودع الى عدة سجون واخرها كان سجن سواقة.
وفي تلك المرحلة واجه الظرف الاصعب في حياته حيث دون تفاصيل ما شاهده من انتهاك لحقوق السجناء، وعندما افرج عنه اصدر كتابه الثاني ” العالم السفلي.. ثمانون يوما في الجويدة”، وليصار ايضا الى منعه من النشر بقرار صادر عن دائرة المطبوعات والنشر.
وقد كانت هذه المرحلة غنية بالاحداث حيث التقى باعضاء التنظيمات السياسية الذين يحملون نواة الفكر التكفيري، وكذلك بسجناء الرأي، وارتبط بصداقة قوية مع بطل عملية الباقورة الجندي احمد الدقامسة. وخلال سنة ونصف السنة في السجن واظب على القراءة مجددا في مكتبة السجن، واصبح في حالة حوار مستمر مع منتسبي التنظيمات التكفيرية، وخرج محملا باثار تلك المرحلة التي عمدته سياسيا.
خرج من السجن، والتحق بمكتب المعارض الاردني البارز ليث شبيلات ليعمل مديرا له وكان المهندس ليث يرى فيه فرصا كبيرة للمستقبل، ويحدث جلسائه بأن هذا الشاب سيحمل الراية من بعدي، وكان ناصره خلال مدة اعتقاله، وكتب عدة مقالات لاشهار قضيته ، وواظب على زيارته في السجن اضافة الى النائب السابق توجان الفيصل ورموز العمل الحزبي والنقابي في الاردن وكذلك اهله وعشيرته ومعارفه.
وقد وضعته تجربة العمل بمعية المهندس ليث الشبيلات امام مختلف عناوين والوان المعارضة الاردنية حيث التقى بمعظم قياداتها، وتياراتها وحاور رموزها، وارتبط بعلاقات صداقة مع غالبية المؤثرين فيها، وبدأ بنشر افكاره، وكان يكتب في كافة قضايا الساعة على المستوى الوطني، وبما وضعه في تماس مباشر مع الحكومات وتحت وطأة غضبها.
كتب اولى مقالاته في صحيفة العرب اليوم، وامتدت كتابته الى معظم الصحافة الاسبوعية كالمجد والسبيل والشاهد وشيحان الا ان تجربته الثرية في الكتابة كانت في صحيفة الانباط اليومية حيث افرد له مقال يومي كان مثار الاوساط السياسية في عمان واحدث تفاعلا في دوائر الحكم، وقد تم رفع عدة قضايا بحقه من قبل وزراء في حكومة الدكتور معروف البخيت.
في تلك المرحلة انفصل عن ادارة مكتب المهندس ليث شبيلا ليقترب اكثر من عالم الورق رغم كونه الاثير لدى معلمه الاول ابو فرحان حيث كان يصفه بولده الذي لم يلده، وبدأ يتعرض الى المنع والوقف الاجباري لمقالاته وكثيرا ما كانت تصدر زاويته فارغة ومعنونة بعبارة “نعتذر عن النشر لتجاوز المقال الخطوط الحمراء”، وكان يعبر عن تلك المرحلة بقوله ” انا شبح من كلمات”.
تنقل في الكتابة بين معظم المواقع الالكترونية بعد التوقف القاهر لصحيفة الانباط وقد تعرضت لقطع الاعلانات الحكومية عنها تحت طلب بوقف مقالاته مما اضطره الى التقدم باستقالته، ولكن الصحيفة اصبحت متعثرة ماليا وفشلت في الصدور نظرا لخطها المعارض.
جرى اعتقاله بعد ذلك لمرتين لاسباب سياسية، وتم التحفظ عليه بدائرة المخابرات العامة واطلق سراحه بدون محاكمة، وفي عام 2006 التقى الملك عبدالله الثاني فتوقف اثر ذلك عملية اعتقاله وبقي التضييق عليه ماثلاً في الكتابة .
وفي القضايا المرفوعة ضده من قبل حكومة الدكتور معروف البخيت فقد جرى حكمه في احداها بدفع غرامة مالية مقدارها عشرة الاف دينار، وفي القضية الاخرى تم حفظ ملف التحقيق.
ومن ثم عاد مديرا لجمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية برفقة المهندس ليث شبيلات، وعادا للعمل سويا لعدة سنوات، وقد دون ابو فرحان على احدى مقالاته عبارة ” من شابه اباه الروحي ما ظلم”. واخيرا انتقل الى العمل كاتبا في صحيفة الدستور اليومية.
وكانت المرحلة تنقله الى زاوية اخرى من صورة العمل الوطني حيث شغل موقع مدير تحرير لمجلة منبر الامة الحر ليتاح له الالتقاء بمعظم شخصيات الحكم في الاردن، وخاصة المتقاعدين منهم فعمل لقاءات صحفية مع معظم رؤساء الوزرات السابقين ، والوزراء والاعيان والنواب والقادة العسكرين ورؤساء الجامعات والسفراء، وحاور العقل الرسمي الاردني، وتمكن من مقابلة عدة رؤساء دول عربية على صفحات مجلته ، وكون موضوعات المجلة تختص بالشأن العربي فقد اصبح في صلب الوضع العربي من خلال لقائه بالسياسيين والسفراء لمجمل هذه الدول، واصدر اعدادا على مدار ثلاث سنوات تؤرخ للنظام العربي، وقبل انهيار منظومته باحداث الربيع العربي ، والتي كان تنبأ بوقوعه في مقال له منشور في العام 2003 وحمل عنوان “سيناريو الشعوب” وكان يصف بدقة احداث الربيع العربي قبل سنوات من وقوعه.
انفسح له مجال للعمل البرلماني على اثر الشعبية التي حاز عليها في اطار لواء ذيبان الاثير الى قلبه والذي ظل يحمله كوجع وطني ، وكتب الكثير من المقالات عن معاناته، وافاق التنمية فيه، واعتبره مفتاح التنمية في الجنوب، وقد اسفرت تلك السنوات عن انتخابه عضوا في مجلس النواب السابع عشر في فوز كاسح ليضع بصمة وطنية وسجلا نادرا من النظافة والبعد عن مواطن الشبهات السياسية، والجرأة السياسية، وكان صوتا ناطقا بالحق وفي مواجهة سياسة التهميش والجباية ، وقد رفع شعارا واحدا لحملته الانتخابية تمثل بجملة ” مع الحق مهما غلا الثمن” .
في عمله البرلماني لم يتوقف عن الكتابة، واتخذ اجرأ المواقف البرلمانية ، وعد احد اقطاب المعارضة البرلمانية، وعارض سياسة الاضرار بالشعب الاردني، واوقف وزملائه الموقعين على الاستقالة مشروع الغاز الاسرائيلي، وواجه التعديلات الدستورية بشراسة، وتميز بالجرأة في الطرح السياسي، وبمداخلاته النارية تحت القبة ، وصوت ضد كل مشاريع القوانين التي تخالف مصلحة الاردنيين، وكان قاد اكثر من مذكرة حجب ثقة عن الحكومة، ورد الموازنات التي تقدمت بها الحكومة طوال فترة عمله النيابي، وخرج من العمل البرلماني وهو يحظى باحترام وتقدير كافة زملائه وتفهمهم لموقفه الوطني.
غير انه دفع ثمن موقفه السياسي اثر ذلك في انتخابات المجلس النيابي الثمن عشر وحيث كان ترشح لها بتحالف مع اخوانه الاقرب الى قلبه في جبهة العمل الاسلامي ضمن قوائم الاصلاح، وجرى اسقاطه بفارق نحو مئتي صوت في مسرحية شهدت عليها محافظة مأدبا باجمعها. تقدم بطعن في الانتخابات الا ان الطعن سقط في القضاء.
وسرعان ما ان امتشق قلمه ليكتب في المواقع الالكترونية بعد ان كان تم فصله من صحيفة الدستور اثناء توليه زمام المسؤولية النيابية في حدث لا تخفى ابعاده السياسية ، وقد عاد مجددا لمعركة الشعب يدافع عن الفقراء، وعن حق الاجيال الاردنية بحياة كريمة، وهو يسير على ذات النهج الوطني الذي اختطه تحدوه الامال الكبار بالحرية ، والكرامة الوطنية.
النائب السابق علي السنيد الذي ظل امينا لقضية الاردنيين، ومطالبهم العادلة، وقد استحق حبهم اللا محدود. وهو انموذج في حبه لشعبه ووطنه يلوذ اليوم بمحبة طفليه (احمد وتقى) وفي اطار اسرته الصغيرة يرسم خطوط التفاؤل للمستقبل، وحيث اقترن قبل سنوات بابنة العين السابق احمد ابو اربيحة “رحمه الله”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى