على مكتب الخصاونة .. طلبة الدراسات العليا ليسوا طعما للتخبط والوباء

سواليف – خاص
كتبت .. فداء المرايات

قد يبدو للبعض من متصفحي النشرة الإخبارية والمستجدات أولا بأول من صدورللقرارات على مستوى الوزارة الواحدة أو الحكومة بالمجمل أن قرار وزارةالتعليم العالي في استثناء طلبة الدراسات العليا من الامتحانات عن بعد ؛
مجرد قرار ينضم للكثير من القرارات التي انطلقت مع الجائحة ، بعيون يائسة وقلوب لا تعرف الثقة فقدت احساس الوجود بأحقيتها في العيش بكرامة حتى بات كل ما يصدر من قرار ، لا يشغل لهم بالا ولا يحدث فيهم شيئا من الاستنكار
، تناغما مع الكثير من التخبط التراكمي الواقع اثره على المواطن الأردني

لكن من زاوية تعج بالحياة ومن منظور مختلف تماما ، في عيون طلبة الدراساتالعليا ، الأمر يحظى بأهمية بالغة ، لم تبلغ بعد مبلغ اليأس ، فالأمر يخص حياتهم من الدرجة الاولى ، حيث نزل خبر قرار استثنائهم من تقديم الامتحانات عن بعد – كزملائهم في درجة البكالوريس – كالصاعقة التي ضربت مبنى بعينه فأحرقته ، كناية عن إرهاص الاقصاء ، وانتزاعا لهم من أحقيتهم في السلامة والحماية من فيروس كورونا المستجد أسوة بغيرهم من الطلبة .

قد يتساءل المطلع على هذه الأزمة عن أبعاد اتخاذ هذا القرار وأسسه التي تحمل وجها غير مدروس ، بأن العديد من أقوى دول العالم عاملت طلابها في الجامعات معاملة واحدة على حد سواء وفرضت سياسة التعلم والامتحان عن بعد
في نظرة متكافئة وموحدة – عدالة اجتماعية صحية – للمواطنين والمجتمع ، وتأخذنا الدهشة في محاولة استيعاب المبرر والدافع الذي يعلو على حق الحياة ( الحق الرئيسي والأول للانسان في أي ارض ) عبر توجيه الطلبة للذهاب لجامعاتهم وتقديم الامتحانات داخل الحرم ، معرضين إياهم للخطر الكبير في ظل وجود شعبا كبيرة لطلبة هذه الدرجة ومنها ما يزيد عن35 طالبا وطالبة في الشعبة الواحدة ، ولا ينقطع التساؤل والاستهجان عند هذا الحد ، بل يمتد لفتح سؤال يبحث عن إجابة وموجه لوزارة التعليم العالي ، والتي بررت هذا القرار عبر – ناطقها الرسمي – بأن أعداد الطلبة قليلة لهذه المرحلة الجامعية ، فإن كانت قليلة كما يدعي ، فلماذا تم التدريس عن بعدمن الأساس في ظل مشاكل الانترنت والاتصال ؟! ، وهل يعقل أن هذه “الأعداد القليلة”يوم الامتحان حين تدخل إلى الجامعة التي تحمل طاقة استيعابية هائلة من موظفين ورجال أمن ودكاترة والطلبة الحلقة الاضعف في هذهالمعادلة ؛ أيعقل أن لا يكون هنالك التقاط عالي الاحتمالية للفيروس نتيجة هذا الاحتكاك المجتمعي؟! ،
أليست هذه التجمعات تخلق بؤرا كامنة في ظاهرها الأولي تلقي بظلالها على المجتمع بشكل عام والطلبة أنفسهم
والدكاترة بشكل خاص ؟! ناهيك عن مخالفتها لأوامر الدفاع في تواجد هذا العدد الكبير في الكليات والمباني .

وفي شيء من الموضوعية والأمانة ، وبلغة تخلو من الانتقاص من أية درجةعلمية بعينها أو مرحلة دراسية ، لكن على مبرر البحث في مخرجات وجودة التعليم المنظور من قبل وزارة التعليم العالي ، فطالب العلم في الماجستير أو الدكتوراة لا يملك اجابة نموذجية كغيره من طلبة المراحل الدراسية ، ولا يحمل في تصوره وحرفه نمطا معياريا يسير عليه ، فالاجابة يتبناهاالفرق الادراكي والمعرفي من طالب لآخر ،
وعليه فإن الإجابة تشكل نوعا منالعصف الذهني في جلسة الامتحان ، فلو كان الكتاب مفتوحا لن يكون الأمر ذا
أهمية في عيون مدرس المادة الذي لا يبحث عن لغة جامدة منسوخة وملصوقةإنما هوية الباحث المعرفية ولغته الخاصة في كل سؤال ، وهذا ما يكشف عنهالنقاش الدائر طيلة الفصل داخل المحاضرات في فهم فصول المادة الواحدة واستنباط خلاصتها من قبل الطلبة كل وطريقة تفكيره وتحليله وقدرته على ربط الأمور ببعضها فهو ليس طالبا تقليديا بل باحثا احترف في رحلته الدراسية العليا تقليب بطون الكتب وصياغة ما يختزل بحسب فهمه لفحواها في محاولات متواصلة للارتقاء بطريقة الاستنباط والخروج بنتائج جديدة كمرحلة اولية تسبق مرحلة الرسالة والتي تعد الفيصل والفلتر الحقيقي لبراعة الطالب ومدى إلمامه في الاختصاص ورفده للجديد من المعرفة ، وبهذا فإن الامتحان لايميع الجودة الأكاديمية فهو ليس المرحلة الختامية في رحلة طالب الدراسات العليا ، بل الرسالة هي الحكم .

وما غاب عن قراءة الوزارة للموضوع ؛ أن الكثير من طلبة الدراسات العليا ممن هم مصابون الآن بفيروس كورونا ، وعدد ليس بالقليل ممن تعثرت به السبل وبقوا خارج البلاد ، أما من هم داخل حدود الأردن الحبيب ، فكثير منهم
يقطنون في المحافظات ، ولأن الفصل كان يدرس عن بعد لم يُقبِلوا – في حينها – على الالتحاق بالسكنات الجامعية ، لذا فهم سيواجهون – كزملائهم خارج البلاد -أزمة الوصول ( في قلب فصل الشتاء ) وفي كل مرة الى الجامعة علاوة على خطر الاصابة المضاعف أولا من المجمعات والباصات ( فهم القادمين من المحافظات البعيدة والقرى النائية ) وثانيا من الجامعة المكتظة بموظفيها ودكاترتها وطلابها ؛ ولا ننسى أن هنالك الكثير من الطلبة ممن يعانون من أمراض مناعية صعبة وأنا انضم الى قافلتهم ، لا يمكن لنا التعامل مع الامراض الفيروسية الموسمية والاعتيادية بشكل طبيعي فكيف هو الحال مع وباء كورونا المميت والقاتل بشهادة كافة الاجهزة والجهات الطبية المحلية والعالمية لمرضى المناعة الحادة ؟!

فما الداعي والمبرر لهذا الانقسام في عقد الامتحان ؟! ويمكن تخطي مشكلة كل فئة من الطلبة وحفظ سلامتهم وسلامة اساتذتهم ومجتمعهم بالمطلق بعقد الامتحان عن بعد للجميع ومرة واحدة .

وعليه فإن استثناء طلبة الدراسات العليا والدبلوم من قرار الامتحان عن بعد لا يحمل في طياته منطقا ومبررا لتعريضنا للخطر وتعدد مرات عقدالامتحان – المربك للجامعات والدكاترة – بحسب اختلاف ظروف الطلبة .

وكما أن الكثير من الطلبة ممن يحتاجون الى قرار ( ناجح – راسب ) وهذا المطلب لا يؤثر على باقي الطلبة في التخصص الواحد ولا يضر جودة التعليم ولكن غيابه يؤثر على معدل الطالب الذي واجه تحديات كثيرة طيلة الفصل الدراسي الالكتروني وهو مضطر للحفاظ على المعدل .

وبهذا نستنتج أن الحاجة تقتضي وبشدة لمراجعة قرار استثناء طلبة الدراسات العليا من حقهم في الامتحان عن بعد ، فالتوصيات التي طالت الكثير من القطاعات التجارية والصناعية والأكاديمية وجاءت إلزامية ، لن يكون هؤلاء الطلبة من خارج بوتقتها فهم جزء من هذا المجتمع ومنهم المصاب ومنهم المسافر ومنهم البعيد ومنهم صاحب المناعة المنخفضة ، فلا يمكن تحميلهم ما لا طاقة لهم به ، وليسوا قرابين في معبد الوباء ، ولا هم بغير اعزاء على أسرهم وابنائهم ليتم التضحية بهم عبر قرار يسلك مسلك التشتت ونحن نسمع كل يوم لغة التشديد والتأكيد على حماية المجتمع وسلامته وخسائرنا الاقتصادية الجمة من تداعيات جائحة كورونا ..

حفظنا الله وإياكم من كل مكروه
عنهم
فداء المرايات
كاتبة وباحثة سياسية
ناشطة في مجال حقوق الانسان
طالبة ماجستير

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى