كتاب من جلد…وروح / يوسف غيشان

كتاب من جلد …وروح

معقول يا جماعة؟!..المكتبة الأكاديمية الوطنية في كازاخستان، خلال فعاليات معرض «الكتب والمخطوطات المذهلة»، تعرض تحفة أثرية نادرة، وهي عبارة عن كتاب من الجلد البشري يعود إلى القرن الـ16…هكذا قالوا عن كتاب مصنوع بالكامل من جلد بشري تبرع به احد العلماء الكبار عام 1532، حيث كانت تكتب المخطوطات العلمية بتبرعات كريمة من علماء بجلودهم..وهذا الكتاب هو بعض ما تبقى من جلود- عفوا- كتب الجلد من تلك الفترة.
رغم انني لست عالما ولا كبيرا، لكنني لا اتخيل نفسي – بعد الوفاة- وقد تم تقشيري بالكامل لصناعة كتاب ما حول فوائد الزنجبيل (مثلا) ..وتخيلوا ان يقرأ احفاد احفادي – او يشاهدونه في معرض- هذا الكتاب ..ويقوم احد احفاد احفادي بالخرمشة على غلاف الكتاب بأصابعة، فأتغرغر، يتغرغر جلدي على عادته- فيرتجف الطفل خوفا، ويلحظ الناس بقايا القشعرية على جلدي ….. فيهربون من حولي .
راح المزح وإجا الجد!.
فإن كل كتاب – حتى لو كان علميا – يأخد من قلب وروح الكاتب، اكثر من جلده..انه يأخذ روحه ووجدانه وبعض ما فيه من ذكريات خاصة وخصوصية، مهما كانت درجة علمانية الكتاب، فلا يمكن ان أقرأ نظرية نيوتن مثلا، دون أن أحس بروحه المعذبة القائمة على التنافس الدائم والقلق والتوجس والكثير من العقد النفسية التي تجمعت لتخلق لنا عالما ورياضيا وفيلسوفا كان صدور كتابه حول الجاذبية بداية للنهضة العلمية الحديثة.
ولا يمكن الا أن اقشعر بردا وعريا وأنا اقفز مثل أرخميدس من برميل الماء ..أصرخ في الناس (يوريكا….يوريكا) وتعني (وجدتها… وجدتها)، حينما اكتشف بعد ان نزل في برميل الماء الممتلئ، ان الماء المندلق من البرميل يعادل وزن حجمه..فخرخ بنظريته الشهيرة:(كل جسم مغمور في سائل يخسر من وزنه بقدر وزن حجمه من ذلك السائل)..اشعر بالعري وبالبرد، لكني سأتدفأ بوهج الإنتصار الكبير مع أرخميدس.
هكذا اتفاعل عندما اقرأ رواية «الجريمة والعقاب» والإخوة كرمازوف و» السفينة البيضاء..وتطير الفراشات حولي مثل عمّة غابرييل غارسيا ماركيز في روايته العظيمة:(مائة عام من العزلة).
عندما قرأت مذكرات غابرييل ماركيز:(عشت لأروي)،ومذكرات نيكوس كازنتزاكيوس: (الطريق الى غريكو)، أدركت ان الروائي، وأي كاتب كبير مهما كان نوع الكتاب ومضمونه، يضع جزءا من روحه في كتبه.
لا اعرف تحديدا ماذا سأترك للناس، من روحي، في كتبي البائسة، لكنني ادرك تماما ان كتبي هي أنا ..بكل نجاحاتها وفشلها..بكل فوضويتها وجنونها …انها لعبة الإحتيال على الفقر..لتبقى رجلا حرا يحافظ على كرامته حتى الرمق الأخير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى