عدي وصل لدانية بأمان!

سواليف
“بعد استشهاد عدي بيوم واحد، صليت الفجر ورجعت لسريري بدي أنام، حلمت إنه دانية أجت جنبي على السرير، وقالتلي: يابا اطمنوا انتَ وإمي، عدي وصلني”، يقول جهاد ارشيد (50 عاماً) والد الشهيدين دانية وعدي متحدثا عن ابنه وابنته اللذين استشهدا خلال أقل من شهرين.

في منزل بسيط بشارع السلام وسط مدينة الخليل، يعيش عدي ودانية ارشيد، مع أسرة مكونة من 10 أشخاص لأب وأم هما جهاد وأماني ارشيد الزوجين قبل أكثر من (25 عاما)، حيث عدي (24 عاما) الابن الأكبر ودانية (17 عاما) البنت الكبرى، في العائلة التي تضم أيضا ستة أشقاء (4 ذكور و2 إناث).

ولي العهد

الوالد جهاد يعمل في مطبعة صغيرة ورثها عن والده في منطقة باب الزاوية، ولأن عدي الابن الأكبر فقد تحمل مسؤولية “ولاية العهد” في البيت دون تذمر بل بكل حب وطاعة.

وتقول الوالدة أماني ارشيد (44 عاما): “ابني عدي كان رجال هاد البيت، من صغره متحمل مسؤوليته، لانه أبوه ما بقدر لحاله يتحمل كل هاي المصاريف، والله يرضى عليه بعمره ما حكالي لأ، جاب ثلاجة وغسالة وخزانة للبيت، وعمره ما قصر بحق إخوته، يعني دايما كان ملبي جميع طلباتهم”.

وتضيف أماني بدموع الألم على فراق ابنها الذي اعتبرته مسؤولاً وصديقاً وأخا، “أنا قد ما أحكي مش رح أقدر أوصف قديش كان عدي رجل بكل معنى الكلمة، ما كان يخليني أحتاج ولا شيء حتى لو كان صغير”.

وعمل عدي منذ صغره في طبخ القدرة الخليلية وجميع أنواع الخبز وغيرها، وكان طباخاً معروفاً بلذة القدرة التي كان يطبخها. وتبين والدته، “عدي اشتغل بالأفران، وكان مشهور بكل منطقة الخليل، يعني باليوم كان يجيي اله 60 طلبية بتتنوع بين قدر وفخارات وضلعات أو خراف محشية أو خبز”.

وتتابع، “عدي قطعة من روحي، كنت أنا مخبأ أسراره، كنّا نسهر مع بعض ونصير نخطط شو بدنا للبيت، وكيف بده يوفر بنفس الوقت”.

وتصف أماني ابنها بأنه “جبل من الطموحات”، وتضيف، “كان يقول لي: يما بدي أتزوج ويكون عندي أولاد، بس مش رح أتزوج قبل ما أبني بيت ويكون عندي سيارة، وكمان بنفس الوقت مش رح أنساكم ورح أضل متحمل مسؤولياتي اتجاهكم”.

الفنانة

في المنزل ذاته؛ قضت دانية (17 عاما) بصفتها الصديقة والأخت لوالدتها، وأكبر بنات العائلة، وعرفت بحب الفن والرسم وتنسيق الزهور، وتقول والدتها، “دانية طالبة توجيهي، متلها متل البنات، بس هي كانت قريبة من ربنا كتير، كانت تصلي جميع الصلوات بموعدها، وتقرأ قرآن باستمرار، وتصوم كتير”.

وتضيف، “كانت مطيعة جداً، لما تسمعني بنادي عليها تقوم ركض لعندي حتى لو عندها دراسة وتحكيلي “نعم يما أؤمري”، دانية بنت مميزة جداً ومبدعة جداً، كانت تحب تشتري ورود وتنسقهم، أو تكتب خواطر وأشعار، أو ترسم، وكانت تحب رسم الحوريات كتير”.

ولعل استشهاد الشقيقين في فترة زمنية متقاربة لم يكن حدثا غير عادي لهما، فطوال سنوات عمرهما كان عدي ودانية مقربان جدا، وكانت قهوة دانيا هي المفضلة لشقيقها عدي، وتوضح أماني، “لما كان يروح من الشغل كان يسأل عن دانية ويقول لها تعالي اعمليلي قهوة، كان دائما يردد أزكى قهوة هي قهوة دانية”.

دانية الشهيدة تغير شخصية عدي

في يوم ماطر هو السبت (25/تشرين أول) الماضي، غادرت دانية منزلها مرتدية جلبابها وحجابها ذو اللون الأبيض، وتوجهت إلى المسجد الإبراهيمي للصلاة فيه كما عوّدتها أمها، فهي كثيراً ما كانت تصطحب أبناءها للصلاة في المسجد حيث “تجد فيه راحة وطمأنينة”.

وحسب شهود عيان، فإن دانية دخلت عبر “الكونتينرات” التي نصبها جنود الاحتلال قبل المسجد الإبراهيمي للتفتيش، ووصلت إلى الأخير حيث يتمركز جنود الاحتلال، فطلبوا منها فتح حقيبتها التي كانت تحملها على ظهرها ثم حاول أحدهم مضايقتها، عندها صرخت دانية “الله أكبر .. الله أكبر”.

في تلك اللحظة اخترق الرصاص جسدها الطاهر، فسقطت على الأرض واختلطت دماؤها بأمطار السماء، ثم اختطف جيش الاحتلال جثمانها واحتجزها في ثلاجاته لستة أيام.

كانت عائلة ارشيد تتابع الأخبار على إحدى الفضائيات، عندما قرأت خبر إصابة فتاة بالقرب من المسجد الإبراهيمي، فتملك القلق العائلة بانتظار الخبر اليقين عن هوية المصابة، قبل أن يدخل عدي المنزل ويحضن والدته ثم يجهش في البكاء، لتصرخ، “دانية استشهدت”، وتسقط مغشيا عليها.

بعد ستة أيام من الجريمة، سلم الاحتلال جثمان الشهيدة دانية مع عدد آخر من جثامين شهداء مدينة الخليل، لتشيع في جنازة مهيبة تركت أثرا كبيرا في نفس عدي وأحدثت تغيرا نسبيا في شخصيته، “فالتزم بأداء جميع الصلوات في المسجد، والصيام بشكل مستمر، وقراءة القرآن يوميا”، كما تقول أمه.

وتضيف، “الي ظهر بعد استشهاده إنه كان حاطط دانية بقلبه وبعقله، وما كانت تغيب أبداً عن فكره .. أحياناً كان يمزح معي ويحكيلي: يما بدي استشهد وألحق بدانية، أنا كنت أخاف عليه وأحكيله: يما خلص بكفي! أختك حرقت قلبي وحسرتها رح تضل بقلبي لآخر نفس بحياتي، وإذا أنت صارلك شيء بفقد عقلي، فكان يرد: لا يما ما تخافي، أنا بس كنت أمزح معك”.

قبل استشهاد عدي بيوم واحد، عاد إلى البيت بعد انتهاء عمله في الفرن للإفطار حيث قضى يومه ذاك صائما، أحضر معه الإفطار وبعض البسكويت والعصير للعائلة. قبّل أخته الصغيرة قمر قبلة الوداع، لكن لا أحد لاحظ ذلك، وكان عدي أول من رأى قمر عند ولادتها وأحضر لها الملابس والحاجيات اللازمة، ومن ذلك اليوم اعتبرت قمر بنتاً لعدي.

في يوم الجمعة 11/كانون الأول غادر عدي البيت لأداء صلاة الجمعة، فيما كانت الوالدة تحضر “المقلوبة” للغداء، وتعجن بعض أنواع الحلويات لتوزعها عن روح دانية، لكنها لم تعلم أنها ستوزعها عن روح دانية وعدي معا.

فبعد انتهاء الصلاة انطلق عدي في مسيرة اتجهت إلى منطقة رأس الجورة في مدينة الخليل، وهناك كان رصاص الاحتلال له بالمرصاد، فأصابته إحدى الرصاصات مباشرة في القلب، ونقل أثر ذلك إلى المستشفى ليعلن بعد دقائق عن استشهاده.

كان الخبر صادماً جداً لوالدته، فأغشي عليها مرة أخرى، وهي التي لم تجف دموعها بعد لفراق ابنتها دانية. تقول والدة الشهيدين، “خبروني إنه عدي اتصاوب بس أنا كنت حاسة إنه استشهد، رحت البست جلبابي واطلعت من البيت، بالطريق لقيت أختي وكانت تبكي فاعرفت إنه استشهد، وقتها انهرت بالكامل واخدوني على المستشفى وشفته كان نايم متل الملاك، بس ما نزلوا دموعي بالمرة، لإنه ما كان في دموع بعد 45 يوم بكاء على دانية”.

تتابع، “آخ يما يا ريت خسرت عيوني وما خسرتك، أنتَ ودانية كسرتوا ظهري، أنا كنت بستنى متى تكبروا وأشوفكم شباب وأسند ظهري فيكم خصوصاً إنه أهلي بالأردن، الله يرحمكم يا إمي وإن شاء الله ملقانا بالجنة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. نيالك يا ام عدي ودانية، نيالك يا ام الشهداء… نيالك عندك اثنين يشفعو لك انت وابوهم واخوانهم وخواتهم عند رب العالمين يوم الحساب… ونيالهم على هيك موتة في زمن صار الحرام اسهل شي والحلال صعب المنال. احمدي الله واحتسبيهم عند الله، ابنك وبنتك بيستاهلو الفرحة ودموع الفرح اكثر من دموع الفرح اللي بينزلو لما تنقبل البنت في ذا فويس او سوبر ستار، او دموع الحزن لما البنت صوتها يرفضوه لجنة التحكيم الموقرة في ذا فويس. انت اللي بيطلع لك تفرحي مش اهل بنات ذا فويس.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى