عالم آخر جديد ولكن موحش وعن بعد !!

عالم آخر جديد ولكن موحش وعن بعد !!
د. لبيب قمحاوي

يسعى البعض الى القفز على عربة الأحداث الأخيرة في محاولة للتوصل السريع الى نتائج قد لا تكون بالضرورة حقيقية أو هامة كون الاحداث المسببة لها ما زالت قيد التشكيل ، بالإضافة الى ان الأطراف صاحبة العلاقة غير محددة او محصورة كونها تشمل العالم أجمعه بكل قواه العسكرية والاقتصادية والتقنية والاستهلاكية والمواردية.
ما يمكن التعامل معه في هذه الحقبة المبكرة من الأحداث هو عبارة عن مجموعة من المؤشرات و الإستخلاصات التي قد تعطي في النهاية صورة أو لمحة عن عالم ما بعد وباء الكورونا. وسيتم استعراض هذه المؤشرات/الإستخلاصات على شكل نقاط قد تشكل أساسا لدراسات أوسع و أشمل في المستقبل. وهذه المؤشرات /الاستخلاصات هي كما يلي :-

أولا: السقوط المحتوم للنظام الدولي السائد بما فيه أحادية القطب الأمريكي وهيمنته العسكرية والاقتصادية على العالم بعد فشله الملحوظ في معركة السيطرة على انتشار وباء الكورونا أو وقفه.

ثانياً: تبوأ الصين مكانها على قمة النظام الدولي المابعد الكوروني دون الحاجة الى انتظار موافقة أو إعتراف أحد بذلك أو الحاجة الى خوض معارك تقليدية مسلحة من أجل ذلك . فأسس ومتطلبات النجاح في تبوأ الصدارة في قيادة العالم تختلف الآن عن الأسس التقليدية المتعارف عليها مثل القوة العسكرية أو الاقتصادية. إن انتصار الصين في معركة الكورونا بمواردها الذاتية والادارية ورياديتها وكفاءتها الملحوظة أعطاها الحقوق التي يحظى بها تقليدياً المنتصرون في الحروب.

ثالثاً: سقوط العولمة كفلسفة وكنظام اقتصادي تحت وطئة فشلها في التعامل مع أبعاد و واقع ونتائج وتبعات وباء الكورونا الذي دفع دول العالم الى التصرف بذاتية واقليمية واضحة كل انكفأ على نفسه وداخل حدوده يسعى الى حماية شعبه ، علما ان عالم ما قبل الكورونا في طريقه الآن الى كساد قاسٍ قد يدمر العديد من اقتصاديات دول العالم الحالي ، ناهيك عن توجه العديد من الدول نحو الانغلاقية و حماية مواردها واعطاء الأولوية لشعوبها وحاجاتهم .

رابعاً: سقوط الرأسمالية الداعية الى حق رأس المال في استنزاف الموارد الطبيعية للأرض بشكل عبثي، وتلويث البيئة والعبث بتوازن الطبيعة لمصلحة الربح المادي . وهكذا ، فإن مؤشرات الحقبة القادمة تشير الى مسار كوني جديد يكون أكثر انسجاماً مع متطلبات البيئة ومنع التلوث وضد استنزاف الموارد ومع احترام التوازن الطبيعي والإيكولوجي منعاً لإحتمال تكرار أخطاء قد تؤدي الى فناء البشرية جزئياً أو كلياً من خلال الاخلال بذلك التوازن.

خامساً: العمل السياسي في عالم ما بعد الكورونا سوف يتمحور حول قضايا جديدة في منظورها العالمي وبشكلحاسم.
الأولوية والصدارة ستكون لقضايا حماية البيئة والتوازن الطبيعي التي سوف تأخذ مسارا يفوق في أهميته أية قضايا سياسية أو اقتصادية.

سادساً: إعتراف البشر بعالمية الأخطار وتشابكها وترابطها بشكل عابر للحدود علما أن الحلول في المقابل جاءت قطرية وانعزالية وفردية مما يعكس مسارا يتناقض مع عالمية الأخطار. وهكذا تصبح عالمية الأخطار متلازمة مع قطرية الحلول وفي ذلك تناقضًا واضحًا يتطلب العمل على ايجاد معادلة توافقية. لقد أصبحت الدولة القطرية الوطنية أكثر أهمية للشعوب كونها أثبتت أنها أكثر قدرة من أي جسم سياسي أكبر مثل الاتحاد الأوروبي على حمايتها من الأوبئة العابرة للحدود الأمر الذي قد يؤدي الى تفكك ذلك الاتحاد وامثاله تحت وطأة الجائحة الكورونية وما بعدها.

سابعاً: أثبتت الانظمة الديموقراطية أنها أقل كفاءة من الأنظمة المركزية القوية في تعاملها مع أخطار عامة مثل إنتشار الأوبئة. وفي هذا ما قد يوحي بإعتراف ضمني بأن البشر قد يحتاجون الى دولة مركزية حازمة في الأزمات بقدر حاجتهم الى الديموقراطية في أوقات السلام والرخاء الاقتصادي والاجتماعي. وقد تفتح هذه الرؤيا باب الحوار امام محاولة ايجاد معادلة توافقية بين الدولة المركزية الحازمة والقادرة وبين الدولة الديموقراطية ضمن إطار لا يسمح بالفساد والإستبداد والقمع والتسلط.

ثامناً: سوف يشهد عالم ما بعد الكورونا انحسار مفهوم التعامل بالنقد لصالح التعامل الألكتروني نتيجة لإمكانية نقل العدوى عن طريق اللمس مما يمهد الطريق أمام تغييرات أساسية في أدوات التعامل المالي ومفهوم الثروة المستند الى المنظور التقليدي المتمثل بامتلاك الثروة النقدية ، وتحوله الى نظام يعتمد امتلاك نقاط أو حقوق سحب عوضًا عن النقد، وهذا يعني ان أدوات الثروة سوف تصبح ذات مضمون وطبيعة أقرب الى الاقتصاد الرقمي منها الى الاقتصاد التقليدي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى