طاسة… وضايعة / م. عبدالكريم ابو زنيمه

طاسة… وضايعة

في الوقت الذي نجد فيه كل الحكومات الوطنية على مستوى العالم تسارع وتستنفر وتقر التشريعات والضوابط لحماية منتوجاتها الوطنية وتطويرها وتنميتها فإن ما نلمسه ونعايشه من حكوماتنا الرشيدة بعيد كل البعد عن هذه المفاهيم الاقتصادية والمسؤوليات الوطنية ، فالقطاع الزراعي يترنح منذ أكثر من عقد تحت أزمات تسويقية خانقة ومديونية فاقت كل القدرات على تحملها في ظل غياب كامل لتحمل الدولة مسؤولياتها تجاه هذا القطاع الذي يمثل الركيزة الاساسية في الانتاج الوطني ويُعتبر الطاقة الاستيعابية الكبرى لتشغيل الأيدي العاملة الوطنية.
في معظم دول العالم نجد هناك مزايا وحوافز تشجيعية للعاملين في القطاع الزراعي بأشكال مختلفة لما لهذا القطاع من أهمية وما يعكسه من أمن غذائي وأجتماعي ولمساهمته في رفد الخزينة العامة للدولة بالعملات الصعبة ، لكننا وللأسف لم نتلق من حكوماتنا المتعاقبة إلا كل تهميش و”خوازيق” عاماً تلو العام في هذا القطاع المنكوب.
كان آخر “الخوازيق” سماح وزارة الزراعة بالسماح باستيراد كميات كبيرة من الفلفل الأحمر والأصفر رغم أن هذا الصنف يُنتج محلياً ، والنتيجة كانت أنه خلال (24) ساعة انخفض سعره بشكل حاد بحيث أصبح دون سعر تكلفة إنتاجة بكثير! وهنا لا بد من التساؤل: من هو التاجر المستفيد من هذه الصفقة؟ من أصدر التصريح لهذا التاجر؟ ولمصلحة من سُمح باستيراد هذا الصنف مع التنويه بأن هذا النوع من الفلفل يغيب عن موائد غالبية الشعب الاردني الجائع أصلاً؟ وهذه ليست المرة الأولى التي تُتخذ فيها قرارات ترقى بنظر المزارعين والعاملين في هذا القطاع إلى مستوى جرائم أقتصادية.
من المعروف أن هناك فترات زمنية يشح فيها إنتاج محصول ما ويرتفع سعره في السوق المحلي نتيجة تصديره للخارج ، وهذه الفترة هي الفرصة الوحيدة التي قد يستفيد منها بعض المزارعين الذين أمضوا كامل عامهم يكابدون تحت لهيب الشمس وفي برد الشتاء لتعويض الجزء اليسير من خسائرهم المتتالية ، فيقوم المسؤولون في حكوماتنا الرشيدة بمفاجئة المعذبين في أرضهم إما بمنع التصدير أو بإغراق الأسواق بنفس الصنف ، وهنا تتبدد الفرصة وتضيع على من أنفق في زراعته كل ما يملك ، فيزداد عبئه وشقاءه وتزداد مديونيته ، بينما آخر من أصحاب النفوذ يزداد رصيد امواله وغناه نتيجة نفس القرار!
توسمنا الخير في معالي وزير الزراعة الجديد وراهن البعض بأنه سيكون سنداً ونصيراً للمزارعين ، لكن أن تكون هذه بداية عهد مسؤوليته فهذا الذي لم يكن بالحسبان ، وما هكذا تورد الابل يا معالي الوزير. تأملنا بأن تُعد الخطط العلمية والإستراتيجيات الزراعية الوطنية للنهوض بهذا القطاع المنكوب ، وراهنا بأن تُعد الرزنامة الزراعية مع دول الجوار بما يحقق الأمان والإطمئنان للمزارعين بأن إنتاجهم سيكون في مأمن من المنافسة الخارجية ، وأنه لن تُستورد سلعة من الخارج ما دامت تنتج محلياً ، لكنها كما يبدو طاسة وضايعة!

وهنا لا بد من تقديم كل الشكر والتقدير والثناء لمعالي خالد حنيفات وزير الزراعة السابق الذي لا تربطني به أية علاقة من قريب أو بعيد ، لكنه يستحق الثناء والتقدير على كل جهوده الخيرة لخدمة هذا القطاع بالرغم من كل الظروف الصعبة الداخلية والخارجية التي واكبت فترة توليه المسؤولية ، فلقد كان مبادراً ومُرحباً بكل المبادرات الإبداعية التي كان من شأنها تنمية وتطوير القطاع الزراعي والعاملين فيه ، وكان صادقاً ووفياً وأميناً لليمين الذي أقسمه عند توليه مسؤوليته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى