استحقاق الوهم والسراب

استحقاق الوهم والسراب
م. عبدالكريم ابو زنيمه

ما ان أُعلن عن اجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري المحدد حتى بدأ الطامحون بدخول نادي الاغنياء يطلون علينا برؤوسهم عبر وسائط عدة ، فهذا الاستحقاق بشكله الحالي أصبح للغالبية فرصة شخصية وليس فرصة وطنية بل أن الوطن والمواطنة كانوا اكثر المتضررين على مدار ثلاثة عقود من هذا النهج المتدثر بعباءة الديمقراطية ، كل هذا الانهيار والبؤس الذي نعيشه اليوم هو ببصمة وأمضاء الديمقراطية المزيفة والمزورة .
اذا ما قمنا بتحليل أهم ثلاثة عناصر للعملية الانتخابية فستكون النتيجة هو مجلس نيابي هلامي لا حول له ولا قوة سوى ما سيجنيه الفائزون من تحسين ظروفهم المعيشية والامتيازات والثراء على حساب الشعب ، فالعنصر الاول هو قانون الانتخاب – هذا القانون بشكله ومضمونه الحالي هو مُفصّل لافراز الرأسماليين وأصحاب النفوذ ونواب العشائر وقلة من نواب الصدفة وهو مشتت للقوى السياسية وكذلك سهولة السيطرة على مجرياته والعبث بنتائجه من قبل قوى التزوير لتحدد الارقام والشخصيات المسموح لها الوصول لقبة البرلمان على مقاس الدولة العميقة ومصالحها ، أما العنصر الثاني فهو البيئة الناخبة – وهذه بعد أن قسم الوطن الى دوائر انتخابية كرّست الثقل العشائري كقوى انتخاب رئيسة مع تغول الاجهزة الامنية على الحياة السياسية وتراجع الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير والتدخل المباشر وغير المباشر للاجهزة الامنية بدعم وتوجيه الناخبين لدعم مرشح بعينه – هذه البيئة مع احترامي وتقديري للعشائر الاردنية غالبا ما تفرز نواب حكومة وليس نواب شعب ، أما العنصر الثالث فهو المرشح الطامح للفوز – ومن خلال التجربة والمتابعة على مدار ثلاثة عقود فأن وعودهم وسقف شعاراتهم التي جميعها يمكن تلخيصها بمحاربة الفساد والفاسدين وتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية وتكافؤ الفرص وتحسين الظروف المعيشية للمواطن وتحسين الرعاية الصحية والتعليم – هذه الوعود تتلاشى وتتبخر عند غالبيتهم العظمى بعد وصولهم لقبة البرلمان ويصبح ولاؤهم للحكومة وتتشابك مصالحهم معها ، أما أولئك الذين يحافظون على مصداقيتهم وولائهم للوطن والمواطن فيتم محاربتهم وشيطنتهم بطرق واساليب شتى .
وعطفاً على ما سبق فأن هذا الاستحقاق بشكله ومضمونه الحالي لن يحقق للوطن سوى المزيد من الانهيار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والتبعية وسلب الارادة الوطنية ورهن الوطن لاملاءات الغرب الاستعماري ومشاريعه العدوانية في المنطقة ، ف 120 فائز لا يوجد بينهم فكر مشترك ولا رؤية وطنية اصلاحية ولا برنامج عمل ينقذ الوطن والمواطن من نهج الفساد الذي يتحكم بكل مفاصل الدولة ويعمل على تقديمها لقمة سائغة للاطماع الصهيونية ومشاريعه واخطرها تصفية القضية الفلسطينية على حساب الاردن ، الغالبية العظمى من هؤلاء سيتنصلون من كل وعودهم وشعاراتهم امام اول غمزة من طرف عين الحكومة وسينحازون لجيوبهم كما سبقهم الكثيرون في الاستحقاقات السابقة .
سنبقى نعيش في الذل والهوان ونئن تحت ضنك العيش ونتسول حقوقنا وسيبقى شبابنا العاطلين عن العمل ومن سيلحق بهم من الخريجين الجدد بلا عمل وفريسة للمخدرات والجرائم وسيبقى المزارعون مطاردون خارج بيوتهم وسيزداد عدد المحال التجارية والصناعية المغلقة وسيزج بأعداد جديدة من النساء غير القادرات على سداد ديونهن في السجون وسيتضخم عدد الاحرار والشرفاء الاردنيين المطالبين بالاصلاحات الذين يزج بهم في المعتقلات وستصبح القبضة الامنية أكثر بطشاّ ما دمنا نصفق ونشارك ونتشاجر في مسرحية استحقاق الوهم والسراب الذي لا يصب الا في مصلحة وخدمة اللصوص ، وسؤالي لكل متحمس والذي سيشبعنا شعارات ووعود كاذبة – هل نفذ قرار البرلمان الحالي بالغاء اتفاقية الغاز الذي حظي بالاجماع ؟!!!
سيبقى حالنا السيء وسيزداد سوءاّ ما دامت القوى السياسية مبعثرة وكل منها يدّعي الحقيقة المطلقة وما دام كل منها يعظم صغائر الخلافات ويتناسى المصلحة الوطنية ، ستزداد الاوضاع سؤءاً ما دام كل منهم يغرد في شارعة ويرفض مشاركة الاخر ، سيبقى الوطن مرتعاً لكل اعداءه ما دمتم عاجزين وغير قادرين على التوحد وفرز قيادة موثوقة تستقطب الشارع الاردني وتقوده لفرض الاصلاحات ومحاربة كل اشكال الفساد وبناء الوطن الحر الديمقراطي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى