“صورة نمطية ” / د . محمد شواقفة

“صورة نمطية ”

كغالبية الاردنيين من الطبقة المتوسطة و ما دون باتت حياتنا تتبع نمطا واحدا سواء أحببنا ذلك أم لا …. و أحيانا بقصد أو بدون …. يوم العطلة لا بد من الفطور الاجباري بصحن حمص و ربما فول مع العديد من اقراص الفلافل …. و رغم لحظات الندم و التندم لاحقا النهار من حالات النفاخ و القولون العصبي الا اننا نصر لزاما على هذا الطقس الصباحي الذي بات فرضا علينا كطابور الصباح المدرسي …. المثير بالحالة النمطية …أنك تبات رهين العادة لدرجة أنك بطريقة آلية تجد نفسك ضمن طوابير المنتظرين لصحن الحمص و الذي يكاد البائع يعرف ما تريده … و بسرعة بديهة و رشاقة تشعر ان خياراتك محدودة و لا تجرؤ على كسر النمط بالتغيير …. و قد حاولت عدة مرات ان استكشف طبقا آخر أجد البعض يشتريه و لكنني اتراجع في كل مرة …. فالبائع بات يدرك انني مستواي علبة وسط حمص و فول و يعرف تماما انني لست من جماعة الفته او الباباغنوج او الفلافل المحشية …. و لا زلت محتارا كيف يعرف بدون تردد انني لست من جماعة الشطة ….. أحاول التمرد على هذا القالب النمطي و لكنني لا أعرف كيف ! و في كل مرة أحاول أجد نفسي بذات التشكيلة لا فرق ….
و ربما وجدت الحالة أكثر صعوبة و انا عند محل الدواجن … و البائع يبادرني بكلمات اعتذار مباشرة بعد ان بادلته السلام بأن ما تبقى لديه من الدجاج متوسط الحجم و ليس كبيرا فلن ينفع للمنسف …. عندها فقط وجدت فرصتي السانحة بالتعبير عن تمردي على الروتين النمطي …. يناسبني دجاج متوسط الحجم هذه المرة لان غدائنا اليوم ” مفتول” و ليس منسفا …. لم يخف البائع صدمته و اندهاشه بأنني كسرت قاعدة يوم الجمعة المنسفية و بدا لي انه غير مصدق بعضا من كلامي و كله …. و لكي ابدد حيرته و استمتع بلحظات الخروج على النمطية …. بالغت في الشرح … و قلت له : انا المنسف عندي لحمة فقط …. نظر الي باستغراب و عدم اقتناع … و قال لي : انت مغترب ؟!
ذهبت لمحل الخضروات و في نيتي ان اشتري بصلا فقط و لكن استوقفني ركن تطغى عليه الالوان و الزينة …. و فيه عينات مصغرة مما لذ و طاب من الفواكه ظننتها للوهلة الاولى عينات تذوق …. و لكنني بطبيعتي الحذرة و غريزة حب الاستطلاع…. سألت الشاب الذي يرتب الاغراض من مشمش و اسكدنيا و كرز و لوز و اشياء اخرى بعناية … هل هذه الارقام المعلقة فوق كل صنف اسعار الكيلو…؟!…. لم يعجبه شكلي او ربما لم يعتد لهجتي …. فقال لي : “بدك شئ رخيص …من البسطة برا “…. لم أفهم لماذا أو كيف عرف انني لست مؤهلا لسبر غور تلك البسطة التي تحتوي الاصناف النادرة…..
في المساء … جلست في المقهى الذي لم ازره من قبل و طلبت منه ان يحضر لي ما يشاء …. لم يتردد الشاب اليافع و اذا كأس شاي بالنعناع و أرغيلة لم أعرف نكهتها على طاولتي …. لا بد أنني صرت كتابا مفتوحا …. إنشغل بالي …. هل كان يعرف شرطي المرور الذي استوقفني انني كنت أسبه و ألعنه ؟! …. هل يعرف مديري في العمل انني ابتسم و انا مثقل بطلباته المتكررة ؟! …. يا للهول …. هل يعرف صغيري انني لست جادا عندما قلت له ” ان شاء الله ” و انا اتحدث عن البسكليت الموعود

“دبوس عالنمطية ”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى