صانعات الأمجاد

#صانعات #الأمجاد

م. #أنس_معابرة

ذُكر أن إمراءة أسمها صفية بنت ميمونة بنت عبدالملك بن شيبان، توفي زوجها في الثلاثين من عمره، وكانت في العشرين من عمرها، ورفضت الزواج بعد وفاة زوجها رغم أنها ما تزال في ريعان شبابها، ووهبت حياتها كلها لرعاية وتربية وتعليم طفلها اليتيم، واختارت من أجله حياة الترمُّل في سن الشباب، وقد قررت أن تملأ على ولدها حياته حناناً وأُنساً، وحرصت على أن ينشأ على حب الله ورسوله.

كانت السيدة صفية تحلم بأن ترى ابنها من علماء الإسلام الذين يرفعون رايته في مشارق الأرض ومغاربها، دفعته في سنوات طفولته الأولى إلى المسجد للتعبُّد وتلقي العلم، وفي هذا قال أبنها اليتيم: “كانت أمي تلبسني اللباس، وتوقظني، وتحمّي لي الماء قبل صلاة الفجر وأنا ابن عشر سنوات، تتخمر وتتغطى بحجابها وتذهب معي إلى المسجد، لأنه كان بعيداً، ولأن الطريق كان مظلماً”.

مقالات ذات صلة

وكانت صفية تبقى مع صغيرها حتى منتصف النهار، وهو يتلقى العلم والتربية الإسلامية الصحيحة على يد كبار علماء وأئمة عصره، فحفظ كتاب الله، واستوعبه، وأصبح عابداً لله، حيث حفظ القرآن، بعمر عشر سنوات.

وبتشجيع وعناية فائقة من أمه، واصل الولد اليتيم طريقه إلى تحصيل العلم والتفقه في أمور الدين، حتى بلغ السادسة عشرة، وهنا طلبت منه أن يهاجر بحثاً عن طلب العلم، وتحصيل أحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم، وتغلبت على عاطفة الأمومة، ولم توهن من عزيمة ابنها وتكبله بقيود الخوف عليه من المجهول رغم أنه الابن الوحيد لها، وسلمت أمرها وأمره إلى الله، وهي يحدوها الأمل الكبير بأن تراه ذا شأن عظيم في العلم.

مضى الإمام في طريق العلم، ومن خلفه أمه تشجعه وتسانده وترعاه حتى أصبح أحد أعلام الدنيا وأئمة الإسلام، الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

ويقول غابريل غارسيا ماركيز: عندما إنتهيت من تأليف رواية “مئة عام من العزلة” ذهبت الى مركز البريد بصحبة زوجتي لإرسالها الى الناشر، وكانت من 700 صفحة، فعندما زانوها طلبوا 88 بيزو لإرسالها، ولم يكن معي سوى 49 بيزو فقط، فقطعتُ الرواية الى جزئين، وأرسلتُ منها قدر ما أملك من المال فقط.

وعندما عدنا الى البيت، قمتُ بجمع مجموعة من الأغراض المنزلية بمساعدة زوجتي، ثم بعتها، وأرسلت البقية الباقية من الرواية الى الناشر، وعندما خرجنا من مركز البريد قالت زوجني، أتأمل ألا تكون رواية سيئة.

اليوم؛ تعتبر الرواية واحدة من أهم الأعمال الأدبية على مستوى العالم، وتم طبع أكثر من ثلاثين مليون نسخة منها، وبأكثر من ثلاثين لغة، وبلغ إنتشار الرواية جميع أنحاء العالم تقريباً، وإذا أردت أن تعرف سبب هذا النجاح، فأعلم أنها زوجة غابريل.

وعندما سئل ليونيل ميسي عن سبب رفع يديه للسماء بعد تسجيل كل هدف قال: “لقد آمنت جدتي بموهبتي منذ صغري، وكانت تصحبني الى النادي من أجل التدريبات، وكان لها فضل كبير في تطوير مهارتي لدرجة منحتني الفرصة للمشاركة في فريق كبير، وهي تستحق أن أهدي لها كل هذا النجاح مع كل هدف أسجله”.

الآباء يشاركون في صناعة المجد أحياناً من خلال الاهتمام بأولادهم، ولكن الحالات الثابتة في ذلك قليلة، بل يذكر التاريخ حالات كثيرة لآباء رفضوا تعليم أولادهم، وأرسالهم الى الدراسة، بحُجة مساعدتهم في أعمال الزراعة أو التجارة التي تمتهنها العائلة.

ما ذكرتهُ في القصص الثلاث غيض من فيض كثير لحالات أبدعت بسبب دعم المرأة، الأولى منذ أكثر من ألف عام، والثانية حصلت في عقد الستينات، والثالثة من العصر الحالي الذي ندركه جميعاً، وربما كانت المرأة أماً أو أختاً، أو بنتاً، أو زوجة، أو جدة، لا يهم، فهي لها دورها في الدعم في كل مرحلة من مراحل عمرها.

المرأة هي التي تقضي أغلب الوقت مع اطفالها، وهي العالمة الخبيرة بشؤونهم وأحوالهم وقدراتهم، وتعلم جيداً نقاط قوتهم ومكمن ضعفهم، وهي القادرة على صناعة المجد من هؤلاء الأطفال، او قتل موهبتهم في مهدها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى