ريّان والحزن الساكن في القلب

#ريان و #الحزن_الساكن في #القلب

فؤاد الجندي

ريّان بأعوامه الخمسة ، ربما قاده فضوله أن يلهو في المكان الذي منعه والده من اللعب فيه ، ربما رجف قلب أمه لحظة أن هوى ولدها في بئر لا قرار له ، ربما بكى كثيرا وحيدا في العتمة وربما نادى على أمه في البدء ثم نادى على أبيه ، ربما شعر بالجوع والعطش بمضي الساعات والدقائق والثواني ، ربما كان يختنق بمضي الأيام ، ويغيب رويدا رويدا بين العطش والجوع والعتمة.

بلا شك أنها مأساة حقيقية ، واحدة من الكوابيس الدائمة لأيّ أبّ أو أُمّ أن يسقط ولدهم الصغير من مكان عال ، لذلك كان التعاطف مع قصّة الطفل المغربي ريّان الذي سقط في حفرة ضيقة عمقها أكثر من ثلاثين مترا وبقي يصارع الموت لوحده لمدة خمسة أيام ، في أحداث تابعها الملايين لحظة بلحظة عبر الشاشات وكانت تمتحن إنسانيتنا وتضعنا أمام أسئلة ومقارنات بعضها صعب جدا ، النقاشات التي دارت على صفحات التواصل الاجتماعي كشفت عن تباين كبير بين وجهات النظر إلّا أنّ الغالبية العظمى اتفقت على التمنّي والدعاء أن يخرج ريّان سالما معافى من هذا البئر.

مقالات ذات صلة

بدأ تسليط الضوء على هذه القصة عبر وسائط التواصل الاجتماعي وسرعان ما تحول إلى ترند ، ثم لحقت محطات الإعلام الترند بمكائنها وإمكانياتها لتحول أي حدث كعادتها لسيرك كبير وتبدأ ببناء قصص لأبطال حفظنا أسماءهم و تعد مسرح أحداث لم يسمع به أحد من قبل ، لكن حالة التعاطف الشعبي الكبير التي تبعت ذلك كانت تستحق التأمل ، فالبعض رأى أن قصة ريّان وحدت قلوب ومشاعر العرب من المحيط إلى الخليج ، آخرون عقدوا مقارنات بين هذه المأساة ومآسٍ أخرى ليس آخرها حالات التجمّد لأطفال أبرياء في صقيع مخيّمات اللجوء السوري ، بينما شبّه آخرون حال ريّان في حفرته بحال الشعب العربي الذي – برأيهم – يقبع في حفرته الكبيرة بكل ما في الحالتين من تشابه من ضيق وجوع وعطش ، إلا إن أكثر الآراء التي لفتتني هو ما قدّمه الصديق المخرج المبدع فيصل الزعبي عبر أحد منشوراته على صفحته في الفيسبوك ، يرى فيصل أن حالة التعاطف الشعبي كانت بسبب أنها كانت بلا ثمن حقيقي ، وأنها “لم تكلف جهداً غير الكلام عبر ترند يذرف الخوف والأمنيات من أجل نجاة الطفل ريّان ، بينما الموقف من الأطفال السوريين على سبيل المثال يتطلب ثمناً ، أو فعلاً يجب أن يُفعل” ، وهذا رأي أعتقد أنه يستحق التوقف عنده والتفكير فيه بجدية.

أُعلن عن موت ريّان بعد نجاح انتشاله مباشرة ، وبظنّي أنه قد فارق الحياة قبل انتشاله من فرق الإنقاذ بفترة ، ثم إنّ العيون المترقبة نامت أخيراً والدموع تنسكب على أمل اختنق في عتمة بئر باردة في مكان بعيد ، هذه العيون نفسها ربّما ستراقب الشاشات اليوم وهي تشاهد المنتخب المصري في مباراته النهائية ، وسيتعلقون بأمل من نوع آخر ربما ينتشلهم من حفرهم الخاصة ، أو ينتظرون ترند جديد لطفل آخر في مكان مجهول وبعيد ، فمثل هذه المآسي تحدث كل يوم.

أنا متأكد أن ريّان وأصدقاءه من الأطفال في مكان أجمل بكثير من هذا العالم الظالم القاسي ، فعندما كان وحيدا في غيابت ذلك الجبّ البعيد التقطه بعض السيارة وقالوا يا بشرى هذا غلام وأخذوه إلى مكان حيث لا همّ فيه ولا حزن ولا تعب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى