ريتك يا ابو زيد ما غزيت ! / م . عبدالكريم ابو زنيمه

ريتك يا ابو زيد ما غزيت !

بعد طول انتظار تصاعد الدخان الأبيض من مدخنة حكومتنا حاملاً بين ذراته قانون الضريبة الموعود، يتضح من رائحة الدخان بأنَّ من أوقد نار الضريبة وطبخها وأشرف على كل بهاراتها هم من بقايا العهد العثماني، ففي نهاية الحقبة العثمانية وبعد تفشي الفساد والانحطاط والترهل وبداية ملامح انهيار الدولة العثمانية لجأت الحكومات فيها إلى فرض المزيد والمزيد من الضرائب التي كانت تُثقل كاهل شعوبها، والتي قادت غالباً إلى تأجيج المواجهات الدموية بين مأموري التحصيل والأهالي والتمرد على الدولة والانقلاب عليها .
يبدو أنَّ حكومتنا ستزيد عدد المخاتير لتسند لهم مهمة تحصيل الضرائب الزراعية كما كان معمولاً به إبان الحقبة التركية، فالمختار كان مسؤولاً عن تحصيل الجباية المفروضة على الأهالي مدعوماً من الحاكم الإداري، فكانت سجلات الماشية والأراضي المروية وغير المروية بحوزته ومقابل كل رأس من الماشية مبلغ محدد يقوم بجبايته، وإذ لم تتوفر السيولة لدى الاهالي كان يسطو على ما يحلو له منها، وبعد سوقها غير بعيد، يورد للحاكم ما تجود به نفسه بعد أن يختّز “يأخذ” منها أطايبها ويورد الباقي للحاكم الذي بدوره يعيد بيع غالبيتها ويقبض ثمنها ويورد الباقي لمن هم أعلى منه وهكذا! لكن الفرق هنا هو أنَّ الضرائب كانت محددة أيام العثمانيين – العشر على الأراضي المروية ونصف العشر على الأراضي البعلية..البغل خمسة قروش والحمار ثلاثة قروش وأظنّهم كانوا بصدد فرض ضريبة على الكلاب – على خلاف الضرائب التي تفرضها حكومتنا على شعبها، فسؤالي للحكومة هنا، هو : من هو الذي سيحدد أرباح المزارع؟ وكيف سيُحدد فيما اذا ربح اكثر أو اقل من (25000) دينار ! هل ستوظف الحكومة مختاراً ينام ويصحو مع المزارع منذ بداية الموسم الزراعي وحتى نهايته وبعدها يقوم بجمع المصاريف وطرحها من المبيعات، ليحسب بذلك الربح أو الخسارة ! وكيف سيحسب كلفة البغل كأداةٍ من أدوات الإنتاج وكذلك الحمار أوالثور ! وكيف سيحسب كلفة مصاريفها وانتاجيتها ! وهل ستكون هناك “مرضوة على البيدر” ويغرش المختار عما رأت عيناه ! حتماً ستكثر وستكبر مضافات المخاتير ! والسؤال الأخطر اذا ربح المزارع سيدفع الضريبة..لكن ان خسر ؟ فهل ستدفع له الحكومة !
القطاع الزراعي هو القطاع غير القابل للمس في معظم دول العالم، بل إنَّهُ يكون مدعوماً لما يؤمنه هذا القطاع من أمنٍ غذائي للشعب وما يمثله من مساهمة في الدخل القومي، إضافةً لأهميته كأحد العناصر السيادية للدولة عدا عن طاقته الاستيعابية الكبيرة في التشغيل، ففي كثيرٍ من دولِ العالم تُمنح القروض للمزارعين بلا فؤائد، كما أنَّ لأبنائهم إعفاءات تعليمية وتأمين صحي شامل لهم ولأُسرهم، علاوةً على ما سبق، فإنَّ الحكومة تعوضهم مادياً في حال حدوث مخاطر زراعية، عدا عن الدعم المالي للصادرات والمصدرين الزراعيين، والإعفاء الضريبي لجميع مستلزمات الانتاج الزراعي.
يبدو أنَّ من سنَّ هذا القانون لا علاقة له بكل ما ذُكر، وأنَّ جل تفكيره كان مُنصباً على الجباية لتعويض الهدر والاسراف وتبذير المال العام، هو أو هم لم يفكروا إلا بحماية مصالحهم ومصالح أسيادهم، ذلك لأنَّ تعويض الهدر الحاصل في الخزينة يُمكن أن يُنفّذ بعدة طُرق بعيداً عن جيب المواطن، مثل؛ إغلاق دكاكين أبناء المتنفذين، بدلاً من جباية ذاك العجز على حساب عرق الغلابة العاملين في أقسى الظروف الجوية، والأموال المستردة من فاسدٍ واحد تكفي لتغطي ما سيُجبى من المحرومين لعشرات السنين، الفائض المالي من تقليص عدد الموظفين في السفارات والديوان الملكي ووقف الهِبات والأُعطيات والإعفاءات ووقف البذخ والترف والحفلات ورحلات الاستجمام وتقنين وترشيد الانفاق الحكومي يغني عن الضريبة برمتها.. وأخيراً، إن عزمتم على المضي قُدماً في إقرار هذه الضريبة وتفعيلها فلا تنسوا إحصاء الكلاب كما نسيها الأتراك من قبلكم، حيث أنَّها عنصر من عناصر الانتاج الزراعي، فمائة عام كفيلةٌ بأنَّ تجعلكم تُطورون من أدائكم في الجباية والتحصيل..فالكلابُ على الأقل أمينة على أمانتها وتسهر الليالي لاداء وظيفتها بأمانةٍ وإخلاصٍ وتفان، والأهم من ذلك أنَّها وفيّة ولا تخشى لومة لائم يحاول تجاوز حدود مسؤولياتها، لذا فإنَّ أقل واجبٍ يُقدم لها هو أن تشملها الضريبة الزراعية ! وريتك يا ابو زيد ما غزيت..
aboznemah@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى