دعوة إلى الإيجابيّة

دعوة إلى الإيجابيّة

سناء جبر

كم سمعنا هذه العبارة ، وحفظناها عن ظهر قلب! نحن نمرّ بظروف استثنائية ويجب علينا التعامل معها بحكمة. لا لشيءمخصوص بذاته، إنما لتكون الخسارات في أدنى مستوًى لها. إذن، نعرف سلفًا أن الخسارة حاصلة والمطلوب منّا قدر الإمكان أن نجعلها في الدّرجة الأقل. وهنا يبرز تساؤل آخر مفاده : هل يحب أحد الخسارة ويريدها لنفسه ؟ وهل جعلها بأدنى مستوياتها أمرٌ ب مرهون بإرادة صاحبه ، لو كان كذلك فعلًا لما وجدنا المحلات مغلقة، ولا الأمهات بواكي ولا الأطفال يعملون في محطات الوقود والبقالات.   

نعم تنادون بالإيجابية وحسن التصرف والصبر ثم التصبر والرضا بالقليل وتهيئة انفسنا للأمور الأسوأ والأصعب. للإيجابية تصرفا وسلوكا وقناعة ارتباط وثيق بحسن الظن بالله وان القادم أفضل. لكن يا عزيزي القارئ، وبما أنني أوغل في الواقعية حتى النخاع، وأحاول قدر استطاعتي أن أضع النقاط على الحروف ، فلا بد من الحديث ولو قليلا عن المبشّرات والمهيئات لهذا الأفضل الذي تنادون به ملء أفواهكم ، فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة…

مقالات ذات صلة

لا بد من السعي المستمر لتحقيق الأمان لك ولنفسك أولا ولمحبيك ، إياك أن تصدق دون معطيات أو مؤشرات. قد تتعب… قد تنهك… قد تقعد عن البذل ويصيبك الإحباط بضرب من الخذلان واليأس. تدمع… تبكي… تنتحب… تيأس… تنفرد بنفسك وتمتنع عن الكلام ومخالطة أحد… قم وانظر مليًّا حولك… انفض عن نفسك غبار الألم والوجع ، وانهض صقرًا بعينين تلمعان، انهضين تلمعانمة وظن بالله خير الو تتركنا كورقة خريف صفراء تلاعبت بها العاصفة ومن ثم وضعتها  لتشقّ عباب الحلم… وارتق بأمنيتك وحلمك ووجّه بصرك  نحو السماء ، وتذكّر:هناك محبون لك يحتاجون وجودك بينهم قويًّا، فاستقو وتقوَّ ثم كن قويّا ، لملم شتات نفسك وروحك، وكن القائد والأنموذج لمسيرتك أولا؛ فأبناؤك يتخذونك قدوة ومثالًا يحتذى به، فكن الصورة البهيّة المشرقة لهم…وإياك إياك أن تخذلهم، سيستمدون منك القوة والعزم وعيونهم ستلمع وتضيء بك. امش على جراحك وكابر، ستتألم قليلا لكن هناك من سيتألم ويتوجّع ويئنّ أكثر… من أراد لك الخسارة فكان نصيبه الخذلان والخسارة المحققة، من توقع اختفاءك فلجمته ، هم الراحلون وأنت باقٍ  ، ربحت نفسك وروحك ومحبّيك وعائلتك. أما الكاره المنهزم فليخسأ بخسارته. وهنا، دوما يخبرونك بأن “من سار على الدرب وصل”. لكن لا أحد يخبرك بالقصة كاملة، فالقصة الكاملة هي ” من سار على الدرب تعثّر وسقط، تألم ونهض ، خُذل ووقف، أتته لحظات يأس فحارب، ثم مشى بالعزيمة وظن بالله خيرًا وأخيرًا وصل.”

في إيجابيتك تدعم أخاك الإنسان، الذي أصابته نوائب الدنيا فاستسلم وأخذ يندب حظه. وهنا، الغيرة إيجابية ، سيجرب ويتعثّر ويقع لكنه سيحاول مرة أخرى وينهض ، سيستمر في الوقوع والتعثر لكنه سينهض مجددا. واثقة بذلك… وفي أعماق نفسه سيكون ممتنا لك فقد أنعشت فيه الحياة، وفي أهله المحيطين به، وهو بدوره سينثر بذار العزم في كل من يتعامل معه. فتخيل عزيزي كم فعلت من خير دون قصد منك وستتسع الدائرة ويعمّ الخير وينتشرالنور في النفوس، وما من شيء إلا بحسن الظن بالله يُورق أزهارًا مفعمة بحياة ليست كالحياة.

إذن ، رغم الظروف والأوضاع السيئة ، رغم الضيق المادي ، رغم الانتهازات والخصومات وانفرادية الآخرين وأنانيتهم ، رغم ابتعاد الإخوة ، رغم فساد القلوب ، رغم تخبّط الناس والتشويش الذي يغيشون فيه حتى صاروا حيارى لا يعرفون كيف يتصرفون، رغم الملل والإحباط وملامح اليأس التي بدأت تنفث رائحتها هنا وهناك، رغم كل السوء والأذى الذي يلتف حولنا متشبثا ممسكا بأعناقنا يود غمسنا بوحل الهزيمة، رغم كل الحقد والضغينة وكل ما من شأنه تعكير صفو الحياة من حولنا ، ستبقى هناك بارقة أمل قادرة على إنبات عود أخضر بين الصخور الصّمّاء ليكون أنموذجًا لحياة نقية منشودة. السّعي والسّعي ثم السّعي هو عنوان حياتنا ، والوصول هو الهدف وسواء أوصلنا في الوقت المطلوب أو تأخر فعل الوصول أو لم نصل ،فلدينا أحلام مؤجلة مخبأة في إلحاحنا بالدعاء إلى الله أن يبث فينا عزيمة فنتصبّر ولا نعجز ولا نكلّ…ما يهمّنا بالدرجة الأعلى في هذه المرحلة هو بث الطمأنينة في نفوسنا ونفوس محبّينا فلا يتسلل اليأس إلى أرواحنا فيصيبنا في مقتل. ولولا الآمال والأمنيات لتكسّرت فينا الأرواح . ثقوا بربّ رحيم هو يبتليكم ليختبر قوة إيمانكم وثقتكم به وينجيكم منها ومن كل كرب عظيم… فواصلوا الطريق بكل العزم حتى النهاية وليخسأ كل مترصّد بكم للهزيمة ولينكفئ على عقبيه وساء منقلبه وأيّ منقلب؟ 

وعودا على بدء، لا بدّ أن نعلم أن الإخفاقوقودد للمثابرة ودافع لها، وأن الأجنحة التي لا ترفرف لا تطير، وإذا كان لديك هدف فعليك تحمل الألم لا محالة… وهذا الألم هو من سيحملك ويرتقي بك درجات واسعة نحو مبتغاك .فيا ربّ هيئ لنا من أمرنا رشدا واجعل معونتك العظمى لنا سندًا، ولا تكلنا إلى تدبير أنفسنا فالنفس تعجز عن إصلاح ما فسدا. عليك أن تكون جبلًا أشمّ وطودًا شامخًا راسيًا، فالحياة لا ترحم أحدا  تعصف بنا يمنة ويسرة وبودها لو تتركنا كورقة خريف صفراء تلاعبت بها العاصفة ومن ثم وضعتها أرضا متقطة إلى أشلاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى