“داحس والغبراء” وثقافة قيادة المركبات / د. أيّوب أبو ديّة

“داحس والغبراء” وثقافة قيادة المركبات

كثيراً ما تـُطرح تساؤلات حول أسباب ثقافة قيادة المركبات العنيفة في تراثنا الأردني ونتساءل لماذا نحن عصبيون ومتوترون إلى هذا الحد في أثناء القيادة؟ ولماذا نتسابق طوال الوقت على الطرقات وكأنها نزعة داخلية مفطورون عليها؟ ولماذا لا يقدم أحدنا الطريق للأخر عند التقاطعات وفق قوانين السير وأولوياته ؟
تأتي الأسئلة الأخيرة ضمن أسئلة كثيرة تجعلنا في مجملها نتساءل ما علاقة ثقافة قيادة المركبات العنيفة في بلدنا بحرب داحس والغبراء التي اندلعت في الجزيرة العربية قبيل الإسلام؟
يبدو أن السباق الذي جرى بين فرسين هما داحس والغبراء التابعين لقبيلتي عبس وذبيان والذي تم فيه نصب كمين لأحد الفرسين لكي لا يفوز بالسباق، أدى إلى أن ينتقم الفريق الآخر بقتل شقيق زعيم القبيلة، وعلى أثرها قامت القبيلة الأخرى بالانتقام لمقتل ابنهم بالمبادرة باغتيال شقيق القبيلة الثانية؛ وهكذا نشبت الحرب الدامية بين القبيلتين لمدة أربعين عاما. فهل نحن امتداد لتلك الثقافة وتعبيراً عنها عندما نقود مركباتنا على الطرقات العامة؟
إذا أمعن الإنسان النظر في سائق المركبة التقليدي، وبخاصة في فصل الشتاء، وهو متلثم وتكسو الطين مركبته وزجاجها المغبر تحديداً، فإننا نتذكر الغبراء من تاريخ الجاهلية. وإذا قام هذا السائق “المعنقر” بالسير بمركبته فإنه ينظر يمنة ويسرى حتى يتأكد أنه لا يوجد هناك من ينافسه. اما إذا حاولت أحدى المركبات تجاوزه فإنه يزيد من سرعته تلقائيا غير مكترث اذا تجاوز السرعة المحددة في تلك المنطقة، فكيف لك أن تجرؤ على إهانة فرسه الأصيلة؟ أما إذا أبطئ هو فالمطلوب منك كسائق إذا كنت من خلفه أن تبطئ أيضاً استجابة لرغبته. وهذا السلوك هو نوع من التحكم بالقطيع أو الركب، فلا يجوز أن يتعدى أحد على الدابة التي تسير في مقدمة القطيع أو الركب. هذا جزء من تراث الصحراء وحياة القفار.
أما المشاة فلا مكان لهم بين المتسابقين إذ يعتبر كل قائد مركبة هو الأولى بالطريق وأن المشاة اللذين يسعون إلى قطع الطريق هم يتعدون على حقه في الطريق حتى لو كانت تابعة ضمن ممرات المشاة والثقافة العامة. ولذلك ويل للمشاة إذا حاولوا عبور الشارع علما بان القانون يحمي المشاة في كافة الأحوال . وبالرغم من ذلك يغلب الطبع على التطبع.
ولكن ماذا بشأن الإشارات الضوئية وعدم الانصياع لها؟ إنها أيضاً ضمن القيود التي يرفضها البعض لأنها تتعدى على حريته الخاصة غير عابئ بحريات الآخرين، فمن المفروض أن يكون هو ومركبته أصحاب الأولوية على الشارع العام، بل أن تكون له أولوية التواجد في المقدمة. ولذلك نجد التزاحم الخطر على الإشارات الضوئية عند الوقوف على الإشارة الحمراء لاحتلال المركز الأول الأقرب للإشارة الضوئية. وهذه أيضاً تنخرط ضمن فكرة مقدمة الركب.
خلاصة القول إنه ينبغي علينا تجاوز هذه الممارسات عبر فرض سلطة القانون والتقيد بقوانين السير وتعليماته؛ وعلى رجل الأمن أن يطبق القانون بلا هوادة وألا يرضخ للمجاملات و”مسح المخالفات باللحى”؛ فإما أن نصبح دولة قانون أو نظل ساحة “طراد” تتسابق فيها الأبهر والأجدل والأحزم والبرق والجمانة والجموح والخطاف والشموس والشهباء والصبحاء والغراء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى