حزمة الإجراءات التحفيزيّة التي اطلقتها الحُكومة الأسبوع الماضي تمثل أولى خطوات الإصلاح الاقتصاديّ الذي يُعالج عدداً من التشوهات في بيئة الأعمال المخالطة والتي طالما كانت تُشكّل في مجموعها عقبات رئيسيّة أمام المستثمرين الذين يطالبون بِمُعالجتها، لكنها في النهاية لا تكفي.
لا تكفي ليس فقط للإجراءات التحفيزيّة لعدد من القطاعات، وإنّما يتطلب الأمر خِطة اقتصاديّة شاملة لِكُل القطاعات التنمويّة والإنتاجيّة في الدولة، وتكون هذه الخطة مُنسجمة تماماً مع موازنة 2020 من جهة، ومتوافقة مع مُتطلبات التصحيح مع صندوق النقد الدوليّ الذي قد يستغني عن اِتفاق جديد إذا ما رأى أمامه خِطة اقتصاديّة تُعالج التشوهات وتسير بالاقتصاد باتجاه النُمُوّ الذي كان مفقوداً في برامج الصندوق الأخيرة.
أيّة خِطة اقتصاديّة حتى تكون فاعلة ولها مصداقية عند المجتمع الدوليّ وتحديداً عند المانحين والمؤسسات الدوليّة يجب أن تتضمن اِلتزاماً من كافة مؤسسات الدولة، بمعنى أن تكون خطة اقتصاديّة عابرة للحكومات ومجالس النوّاب معاً، بل لا يمكن للحُكومة أن تتنصل من هذه الخِطة إلى اِعتبار أنها لم تأتي بها أو لم تُشارك في إعدادها، والحال مُشابه لدور مجالس النوّاب في تعزيز توفير هذه الاتفاقيات من حيث تنفيذها والالتزام بنودها دون مخالفته أو تجاوزات.
للأسف مصداقية الحُكومة في إعداد الخطط الاقتصاديّة محل تساؤل، فالكُلّ يتذكر حكومة النسور التي أعدت رؤية الأردن 2025، وبعدها خطة التحفيز لحكومة المُلقي، وبرنامج لأولويّات التنفيذيّة لِحكومة الرزاز، جميعهم خطط كان بإمكانها أن تُحقق الشيء الإيجابيّ للاقتصاد الوطنيّ ولو كان قليلاً في حال وجود إرادة مُلتزمة في تنفيذه، وهو للأسف لم يكن موجوداً كما يجب، مما أفقد الثِقة الشعبيّة في الخطابات الحكوميّة الإصلاحيّة في الشأن الاقتصاديّ، وعدم ايمان الكثيرين بالخطاب الإعلاميّ التنمويّ الحُكومي.
أيّة خِطة اقتصاديّة لا تُركّز على رفع مُعدّلات النُمُوّ والخروج من حالة التباطؤ الراهن في النُمُوّ لن تجدي نفعاً، وستبقى أسيرة المتغيرات الماليّة، ولن تصمد طويلاً أمام رياح التحدّيات سواء أمام الداخليّة أو الخارجيّة، فالمطلوب تحفيز عمليات الإنتاج وزيادة النشاط الاقتصاديّ وإعادة ترميم جدار الثِقة المفقود بين الشّارع والحُكومة.
الورش الاقتصاديّة التي تُعقد في الديوان الملكيّ وبمشاركة من الملك شخصيّاً تهدف أولاً وأخيراً إلى الخروج بتفاهمات حول الأطر العامة لِخطة اقتصاديّة ستعلن بداية العام الجديد، تتضمن خارطة طريق لآليات التحفيز الاقتصاديّ وكيفيّة تعزيز الشراكة بين القطاعين والنهوض بيئة الأعمال الماليّة لِتكون اكثر جذباً للمستثمرين من خلال حوارات العصف الذهنيّ بين المسؤولين في القطاعين.
وجود خِطة اقتصاديّة واضحة يعني أن تكون جميع مفاصل الدولة الإداريّة وممثلي القطاع الخاص على علم تام بالشكل الذي يتطلع إليه الأردن في المرحلة المُقبلة، وهو رسالة مهمة للغاية للمجتمع الدوليّ بأن الأردن مصمم على السير في معالجة التشوهات في اقتصاده وتعزيز الإصلاحات الشاملة في منطقة تتلاطم بها أعاصير الشعوب والحوامات وعدم الاستقرار.