#خيط__ذباب_مابين ﴿عصا القدس وطبلة نوتردام﴾

#خيط__ذباب_مابين ﴿عصا القدس وطبلة نوتردام﴾
شبلي حسن العجارمة
قبل خمسة عشر عاماً کنت أجلس أنا وصديقي الفرنسي ”کلاوديو فرانك“ علی ضفاف برکة السباحة لعمارة الإليکوت هاوس علی شارع الکناکتکت أVنيو في واشنطن D.C،کان ممرضاً بارعاً في مستشفی مونتgمري ، ونحن نتجاذب أطراف الحديث ولشدة محبتي لخلق هذا الرجل قلتُ له ذات مساء”أتعرف يا کلاوديو حقيقةً أخفيها ؟“،قال ”لا!“،فقلت له ”بعد أن أنهيت دراستي الثانوية أحببت أن أکمل دراستي الجامعية في فرنسا ،ولو تخيرت بمکانٍ آخر غير وطني لأعيش به لاخترت فرنسا،ولو أردت الزواج من أجنبية حتماً ستکون فرنسية“،ابتسم صديقي ابتسامةً عريضة ،ثم قال لي”أي فرنسا تقصد؟“ ،قلتَ له ”هي فرنسا واحده التي عاصمتها باريس“،ثم أعاد عليَّ نفس السٶال ”أي فرنسا تقصد؟“ ، وکررت له نفس الإجابة، ثم قال لي کلاوديو الفرنسي” يا صديقي أنا لا أفخر بفرنسا التي کانت تأتي العرب علی الدبابات العسکرية وتقتل الأبرياء وتسلبهم أوطانهم ولا يشرفني ذاك التاريخ،لکني أفخر بفرنسا الحديثة وفرنسا شارل ديغول“،انتهت قصة صديقي کلاوديو هنا.
لست شامتاً بما حدث لکاثدراٸية نوتردام،فطبيعتي الإنسانية لو قرصتني نملةُُ صغيرة لأخذتها بإصبعي بکل رقةٍ ولطف وأعدتها لمکان بيتها، إذ تجتمع في نفسي أشياء إيجابيةٍ بحتة ومتعددة مثل إنسانيتي،وتربيتي الیيتية وفکري المستنير وعلمي المتواضع وعقيدتي التي هذبت کل هذه الروافد العذبة الطيبة،لکن التعاطي مع حادثةٍ عارضة کأي حادثةٍ مثل حريق نوتردام بهذه الطريقة بالذات من العرب وسأتحدث بخاصة عن التعاطي الأردني تحديداً.
في مجلس النواب الأردني ناٸبُُ عابر لکل المجالس النيابية بسطوة المال لا غير ومثله الکثيريون من نفس العلبة
نامت ضماٸرهم وربما ماتت إن صح التعبير حينما صمتوا وشارکوا بتقطيع أوصال الشعب الأردني حتی قشروا جلده وکسروا عظمه،وبدل الوقوف لجانب صف الشعب الذي بات لا ماضٍ جميل ولا حاضر مريح ومستقبل مريع ،فقد قاموا بتبرير وتبرٸة ساحة الحکومة والدولة من کل ما اقترفته أيديهم ووصل الحد للتحدث بکل سبل البجاحة والوقاحة بقلب الموازين والأدوار والمشاهد حتی خيلوا لنا يوماًً أننا إخوة يوسف والحکومة هي يوسف الذي ألقيناه نحن في غياهب الجب.
دموع التماسيح التي ذرفت علی نوتردام وفرنسا تلك الآلة الاستعمارية التي قطفت مليون شهيد جزاٸري کانوا ثمناً باهضاً لنيل حرية بلادهم واستقلال ترابهم،فرنسا التي لم تسلم دولةُُ مسلمة من بطش يدها ولم تمر حرب إلا ولعبوا بها أهم الأدوار وأبشعها، حريقُُ واحد ربما صدفةً لکن فرنسا التي نهبت کل تاريخنا ومعالم حضاراتنا وأحرقت وأتلفت ما هو أکثر مما نهبته لمتاحفها.
فرنسا من أکثر الدول بعد أمريکا وإنجلترا دعماًً لأسراٸيل وشريکاً استراتيجياً في کل المعاهدات التي قسمت وطننا العربية إلی أشلاء وقطع ديموغرافية لا زالت تسبب أهم نقاط الصراعات والنزاعات،ولتذق طعم فقدان التاريخ والإرث والجمال والحضارة يوماًً أو مرةً واحدة لتجتر تاريخها الإجرامي والاستبدادي والاستعماري.
في فلسطين کل صباحٍ تهدم قری ،وفي کل مساء تحرق مساجد وفي کل يوم هذا الشعب يتم التنکيل به بين ثلاثة خيارات أحلاهما أمرهما فإما شهيدُُ أو جريحُُ أو أسيرُُ معتقل، دوامةُ موتٍ لا تنتهي ونهر تضحياتٍ لا يجف وعلی أرضهم وتاريخهم المشروع والمسلوب برعايةٍ أمريکيةٍ إنجليزيةٍ فرنسية روسية.
من المخجل أنّ تتباکی العيون علی نوتردام وفاءً لبارات باريس وحاناتها ولياليها البنفسجية وشاطیء عراتها، ومن المخجل أيضاً أن تصمت هذه الأنفس ولا تُلقِ بالاً لکل ما يحدث للأمتين العربية والإسلامية، من ذبحٍ وتشريد وتنکيل واغتصاب وسلخ الأمة عن هويتها وتاريخها ونسف حضارتها.
ربما صدق علينا القول المشهور بأننا قومُُ يجمعنا الطبل وتفرقنا العصا، وشتان ما بين طبلِ نوتردام وعصا القدس .
فقد صرنا خيط ذباب يهرب من عصا القدس الدامية الجريحة ويحط علی دبس طبل نوتردام وکاثدراٸيته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى