غلطة عمري / وائل مكاحلة

غلطة عمري

قال لي صديقي عامر:

– “أريد أن أبدأ هواية تربية العصافير مثلك، أريدك أن تبيعني زوجا من الطيور الجميلة التي لديك”..

رحبت بفكرته اللامعة وقلت له بأن بعض القراءة في هذا المجال سيفيده، وأنني أستقي المعلومات الضرورية عن أي شئ جديد أنتوي فعله من القراءة، عندها قال لي مبتسما:

مقالات ذات صلة

– “ولمَ أقرأ وأنت موجود؟!!”..

عندها ابتلعت ريقي في رعب مدركا ما أنا مقبل عليه!!.. طبعا بعد زيارة إلى بيتي وتفحيص وتمحيص استمر قرابة ساعتين، عقد العزم على أحد الأزواج التي أربيها وأشار بيده إشارة المنتصر وعيناه تبرقان في ظفر.. هذا ما أريده!!.. أفهمته أن الزوج الذي استقر عليه موشك على التبييض والتفريخ ويلزمه الكثير من الحذر والنظافة والإهتمام بالمأكل والمشرب والفيتامينات الضرورية، لوح بيده في إشارة “لا تهتم” وأمسك بالقفص سعيدا وغادر مسرعا..

في الليل وكما هي العادة أجلس مع عائلتي لنشاهد التلفاز.. الهاتف يرن معلنا أن عامرا يريدني !!.. قلت له في سأم أنه: “ألو”، فقال ناسيا – هذا الوغد – أن يرد تحيتي له بالفرنسية:

– “الأنثى لا تجمع الخيوط لتجهز العش للبيض، يبدو أنها لن تبيض أبدا، أنا يئست منها” !!

هززت رأسي دون أن يراني ثم قلت له متصبرا:

– “صديقي عامر.. أنت أخذت العصافير اليوم فقط، لا زال أمامهم بعض الوقت ليعتادوا المكان الجديد، ثم أن تجهيز العش بين أخذ ورد يأخذ أسبوعا أحيانا”..

ثم أغلقت الهاتف بعد وداعه الذي عرفت أنه لن يطول كثيرا، قبل أن أنام رن الهاتف ثانية وكان عامر طبعا يسألني إن كان من الواجب عليه أن يطفئ النور حتى تنام العصافير أم أنها تفضل أن تنام في النور، قلت له ضاغطا على حروفي حذر الفالج:

– عامر.. كيف تنام أنت؟

– أنام على جنبي الأيمن..

– نحن نتكلم عن النور يا بطريق.. هل تطفئ النور حين تنام؟

– طبعا..

– إذا إرحمني وارحم تلك الكائنات المسكينة وأطفئ النور لترتاح مثلك ونم..

في اليوم التالي وكان يوم عطلتي استيقظت على طرق على الباب، ذهبت لأفتح متسائلا عمن لم يستطع أن يبدأ يومه دون التصبح بوجهي الجميل في الثامنة صباحا !!.. كان عامر يقف أمام الباب.. واضح أن شيئا ما أزعجه فلم يطق صبرا حتى أستيقظ !!.. قال لي:

– “أنا واثق أن الذكر مريض، طوال مساء أمس لم أسمعه يغرد أبدا”..

– “عامر.. العصافير مثلنا تماما، هل تعيش يومك عاديا إذا ما انتقلت إلى بيت جديد؟”..

– “بالطبع لا.. سأتابع النقل وأتفحص المجارير و….”

قاطعته صائحا:

– “إذا دع الفطرة تمشي كما أراد لها الله أن تكون.. واذهب لبيتك ودعني أنعم بالنوم في عطلتي” !!

– “طب اتدزش” !!

إستيقظت عند الظهيرة على صوت الهاتف مشوش الفكر والبصر، إحتجت خمس دقائق لأتذكر عامرا وعشرا حتى أتذكر أني بعته – كالمغفل – زوجا من طيوري، قال عامر مندهشا:

– أما زلت نائما إلى الآن؟.. كنت أريد أن أسألك أي نوع من البذور تأكل هذه الطيور؟؟

هرشت رأسي لاعنا الرجل والعصافير وحظي الأغبر الذي لم يدعني أقتله في الصباح لأرتاح من هذا الصداع:

– “عامر.. هذا السؤال بالذات كان سيجيبك عنه بائع البذور بأفضل مما سأفعل”…!!

– “لا لا لا طبعا يا صديقي.. أنا لا أثق بغيرك”..

– “حسنا يا عامر.. قل له أن يبيعك كيلو من بذور الكناري المخلوط”..

– “هل هناك فرق في السعر بين المخلوط والعادي؟؟”..

– “توت توت توت” !!

في المساء سألني إن كانت الفاصولياء المطبوخة بلحم مفيدة للطيور أم لا !!.. وفي اليوم التالي اتصل بي ثلاث مرات كي يسألني: هل يغسل لها الخس؟ وكيف يقطع لها الخس؟ وهل يرفع الخس بعد أن شبعت منه؟.. فكرت كثيرا أن أصف له سماً من الصيدلية كي ترتاح طيوره إلى الأبد وأرتاح أنا بالمقابل، لكن قلبي المرهف أعادني لصوابي ثانية…!!

لم يتصل بي لثلاث أيام متصلة فتعجبت.. لم أستطع كبح فضولي فاتصلت به صباحا لأسأله إذا حل شئ بالطيور؟.. يبدو أنه كان نائما وأنني أيقظته.. مما أشعرني بسعادة شديدة منبعها الانتقام، قال وهو يتثاءب في ضجر:

– “لقد باضت الطيور”..

– “حقا؟.. حمدا لله، لمَ لم تخبرني إذا؟”..

صمت قليلا ثم صاح محتدا:

– “وهل يجب علي أن أبلغك بتفاصيل يومي في نشرة العاشرة صباحا؟!!.. ألا تنام أبدا وتدع خلق الله ينام؟!!”

ثم أغلق السماعة وأنا على الطرف الآخر لا زلت ألصق هاتفي بأذني….. وأبكي !!!
.
.
وائل مكاحله

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى