
حقوق المرأة في الإسلام
لا نهدف هنا الى بيان تقدم الإسلام على كل التشريعات الإنسانية في مجال حقوق المرأة ، فذلك أمر جلي ولا ينكره إلا المعاندون المتعصبون ، سنتناول هنا الأسلوب الفريد لمعالجة تلك القضية المزمنة ، والمرتبطة بالتسلط الذكوري عبر التاريخ .
منذ الأزل ، ظل الذكر محتكرا السيادة والقيادة ، ولم يكن من خيار أمام الأنثى إلا الإنصياع ، لأن ما يحكم علاقات الجماعات كان التفوق العسكري ، ومادته القوة الجسدية للرجل .
رغم ذلك ، لم تتوقف محاولات المرأة للمساواة كونها تمثل نصف المجتمع ، وشهدت شيئا من النجاح في حقبات متفرقة على مر العصور ، تمثل بوصول المرأة لموقع السيادة ، لكن ذلك ظل استثناءات قليلة .
عندما جاءت الرسالة الإسلامية ، كانت حقوق المرأة في الحضيض ، لأن الغزو ونهب ممتلكات الغير كان منهجا مقبولا عند العرب ، وكانت المرأة تعتبر في عداد الغنائم ، يأخذها المنتصر من جملة العبيد ، لذلك كانت ولادة أنثى أمرا مكروها عند والدها ، لدرجة كان بعضهم يلجأ إلى وأدها صغيرة ، وكثيرا ما كان الهدف من الزواج خدمة الزوج وأهله وإكثار الذرية من الذكور .. أكثر بكثير من الشراكة الزوجية الحميمية .، كما كان البغاء مهنة مختصة بالمرأة ، يرذل المجتمع المرأة التي تمارسها لكنه يتغاضى عن الرجل ، إضافة إلى ما سبق فقد كان حرمان الأنثى من الميراث أمر معتادا وليس مرذولا . بالطبع لم تكن الأمم الأخرى أحسن حالا ، فقد كانت تزيد عما يفعله العرب أيضا بتقديم الفتيات الجميلات كقرابين بشرية تقربا من للآلهة ، والتنكيل بالنساء وإحراقهن أحياء بتهمة خرافية أنهن ساحرات ( النساء تحديدا ) ، أما النبلاء فقد كان لهم الحق الاستمتاع بنساء الأقنان ، فيما كانت أقوام تحرق من يموت زوجها وتمجّد ذلك الفعل .
إذن كانت هذه الصورة المريعة لحال المرأة هي السائدة عند ظهور الإسلام ، فكان لا بد من تشريعات حازمة لوضع حد لكل ذلك ، لذا كانت المعالجة متعددة المداخل ، منها ما كان فوريا حازما ، ومنها ما كان متدرجا بهدف امتصاص حالة الصدمة .
ما كان مبدئيا جاء بأسلوب البيان العقلي : فالمساواة بين الذكر والأنثى مبدأ أساسي ، لذلك وردت فيه نصوص شرعية في الكتاب والسنة كثيرة ، وتأتي في المقام الثاني عددا بعد أحكام العقيدة ، لا يتسع المقام لذكرها ، لكنها بدأت بالتوصيف المقتع وانتهت بالتشريع الملزم ، فمثلا تعتبر الآية الكريمة : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ .. إلى آخر الآية 13 من سورة الحجرات ” تعتبر المصدر الأساسي لحقوق الإنسان ، فقد خاطبت البشر جميعا وقررت المساواة بينهم اعتمادا على وحدة النشأة ( الولادة ) مع تنوع الإنتماء العرقي والقومي ، ووحدة المسؤولية رغم انتمائهم الى جنسين ( ذكر وأنثى ) ، إلا أن واجباتهم وحقوقهم متساوية .
ثم تجذرت المساواة الكاملة بتماثل التكاليف ، ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ” ( النحل : 97 ) ، وتماثل الجزاء : ” إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ..” الى آخر الآية 35 منسورة الأحزاب ، حيث عدد تعالى عشرة مواصفات للصالحين من الذكور ومثلها تماما من الإناث ، وجميعهم ينالون الأجر ذاته .
بعد ذلك جاءت التشريعات ( الراديكالية ) الصادمة بالتدريج ، حتى لا تتشكل جبهة رافضة قوية للدين الحديث العهد ، ولما كانت طبقة الرقيق والإماء وقوامها النساء تشكلت منذ قرون ، وأصبحت جزءا من النظام المجتمعي ، فكان تخليص المجتمع منها يتطلب وقتا ، فقد اعتبرت التشريعات عتق العبيد من أعظم أعمال الخير وموجبا لنوال الأجر ، كما اعتبر تكفيرا عن بعض المعاصي ، وبابا من أبواب العبادات المالية ( الزكاة ) ، لذلك لم تمض فترة طويلة حتى انقرض ذلك الوجه من وجوه امتهان المرأة . مثلما انتهى الوجه الآخر لامتهانها وإذلالها بأعمال الدعارة ، وذلك بتشريع حازم يعتبر الزنا من الكبائر ، لكن التشريع الإسلامي يتقدم كثيرا في هذا الباب على التشريعات الإنسانية وحتى المعاصرة في أمرين : أولهما أنه يساوي في المسئولية بين الذكر والأنثى فيوحد في العقوبة ” الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ” ، والثانية أنه يرفض بالمطلق أن تعمل المرأة بالدعارة ، فيما تتغاضى التشريعات عن كثير من صور تلك المهنة المشينة للمرأة لدوافع تحقيق الربح مثل استغلال جسد المرأة أو مفاتنها للدعايات التجارية ، وتلحق المرأة بالجيوش بمسميات مخادعة للتغطية على ممارسة الرذيلة .
تبقى الصورة الثالثة من إحقاق حقوق المرأة وهي المالية ، فقد أوجب لها مهرا تقبضه كزوجة ، كما أوجب الإنفاق عليها في جميع الحالات : إبنة وأختا وزوجة وأما ، وفي جميع الأحوال سواء كانت فقيرة أو غنية ، واعتبر ذلك واجبا شرعيا وليس من قبيل الإحسان ، وبذلك كفل لها الإستقلال الإقتصادي .. أي الحرية .
لقد كان أمرا لافتا أن جاءت أحكام المواريث التي حفظت حق المرأة من جور الرجل ، هي آخر الأحكام الشرعية وبها استكمل الدين قبيل وفاة النبي ( ص ) ، وذلك حتى تمكن الدين من النفوس ، والتي جبلت على الشح وحب الإستئثار .
نخلص من كل ما ذكرنا الى إدراك عمق الحكمة في مقاصد التشريع وكيف تمكنت في وقت قياسي من إحقاق التوازن المنطقي بين الجنسين وليس مجرد شعارات مساواة المرأة ، الأمر الذي ما زال البعض يلهث وراء تحقيقة من خلال مؤتمرات بكين وغيرها ومن خلال منظمات حكومية وغير حكومية .
– للإطلاع على المزيد من انتاج الكاتب يرجى الدخول على صفحته على الفيس بوك : صفحة الدكتور هاشم غرايبه
