
سواليف – خاص – د.منتصر بركات الزعبي
مُحاسبَةُ النفسَ أمرٌ عظيمٌ ، ينبَغِي أنْ يسعَى إليْهِ كُلَّ مُسلِمٍ ،وكلُّ مُؤمنٍ ،لا سيما في رمضان ،ليملكَ قِيادةَ نَفسِهِ وزمامِه ،ليضبطَ سيْرَها وليكبحَ جِماحَها ،يدفعُها إلى الطاعةِ ويرْدَعُها عن المَعصِيةِ،فيعرفُ ربحَهُ منْ خَسارَتِهِ، ولا يستطيعُ ذلكَ إلا إذا كانَ محاسبًا لِنَفْسِهِ. وكلَّما قامَ الإنسانُ على محاسبَةِ نَفسِهِ ، أحبَّت الطاعةُ ، وأقبلتْ عليْها ، واستأنَسَتْ بها وبأهلِها ، وكلَّما أهمَلَ الإنسانُ محاسَبَةَ نفسِه كلَّما كرِهَتْ الطاعةُ ،وأنِسَتْ بالمعصِيَةِ وأحبَّت أهلَها. واللهُ تعالَى يُقسِمُ بالنفسِ الَّلوَّامةِ ، وهي التي تلومُ صاحِبَها إنْ قَصّرَ في خيرٍ أو اقترفَ شرًا ،قالَ تعالى: لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) [القيامة:1-2]. فاللهُ – عزَّ وجلَّ – يُحصِي أعمالَ عِبادهِ فِي الدُّنيا ،ويسألُهم عنْ قليلِها وكثِبرِها في الآخرةِ ، قالَ تعالَى : (.فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وها هُو سيدنُا محمدٌ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – وهو خيرُ منْ أمضَى عُمرَه في طاعةِ اللهِ يُنَبِّهنا للاستعدادِ ليومِ الحسابِ وسؤالِ اللهِ – عزَّ وجلَّ – فقالَ : (” مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا سَيُكَلِّمُ رَبَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ، ثُمَّ يَنْظُرُ مَنْ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلا يَرَى إِلا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ ، ثُمَّ يَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ ، فَلا يَرَى إِلا مَا قَدَّمَ ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلا يَرَى إِلا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ , وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ” . ) وها هُم الصَّحابةُ – رِضوانُ اللهِ عليْهِم – لمْ تشغلْهم الدُّنيا عنِ الآخرةِ فعمِلوا ليومِ الحسابِ ، فكانوا كما قالوا ، وشَهِدَ على صِدقِ قَولِهم ربُّ العزَّةِ – جلَّ جَلالُهُ – فقالَ :(رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) )البقرة:202)) مِنْ سلَفِنا الصالحِ رجلٌ يُدعَى “توبةُ بنُ الصِّمةِ” ، حَسِبَ سِنَّهُ يومًا ، فإذا هو ابنَ ستين سنةٍ ، فًحًسٍبَ أيامَها ، فإذا هي نحوَ اثنين وعشرين ألفَ يومٍ وزيادةٍ ، فتصوَّرَ هولَ حسابِ اللهِ لَهُ وعِقَابَهُ على ذُنُوبِهِ معَ أنَّه كانَ مراقبًا لربِّهِ على الدوامِ ، فصرَخَ وقالَ : يا ويلتي ألقَى ربِّي باثنين وعشرين ألفَ ذنبٍ إذا كنتُ قدْ أذنبتُ في كلِّ يومٍ ذنبًا واحدًا. فكيفَ إذا كانتْ ذنوبي لا تُحصى ولا تعدُّ ، ثمَّ تضرَّعَ وتأوَّه وقالَ : عمرتُ دنيَاي وخرَّبْتُ أخراي وعصيتُ مولاي الوهاَّب ، ثمَّ لا أشتهِي النقلةَ مِنَ العُمْرَانِ إلى الخرابِ ، وكيفَ أقدِمُ على الكتابِ والعذابِ بلا عملٍ ولا ثوابٍ ، ثمَّ مِنْ شِدَّةِ تصوُّرهِ لفضاعةِ الموقفِ بينَ يديّ اللهِ ، معَ اشعارِهِ نفسِهِ بالتقصيرِ في طاعةِ اللهِ ، نظرًا لمَقام ِاللهِ ، وهو في الواقعِ غيرُ مقصرٍ ، شهَقَ شَهقةً عظيمةً ووقعَ على الأرضِ ، فحرَّكَه الناسُ فإذا هو مَيتٌ – رحِمَهُ اللهُ – أوَ لسْنَا أيُّها الأخوةُ مِثلَ أولئك القوم ، عُرْضَةً لحسابِ اللهِ ، مسؤوليين يومَ لقاءِ اللهِ تعالى القائل: (.فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
ارشيف 2015