” حاكم …جلاد ” / د. محمد شواففة

” حاكم …جلاد ”

لا بد أن العديد يتذكرون هذه اللعبة التي كنا نلعبها اطفالا قبل ان تلتهم بساطتنا التكنولوجيا و تستبدل البليستيشن تفاعلاتنا …. و قد شرحت قواعد اللعبة لاطفالي في محاولة للاندماج معهم في أنشطة أستطيع مجاراتهم فيها …. بداية أعجبتهم فكرة أنني أشاركهم اللعب …. لكن هذا الاعجاب تحول بسرعة لخيبة أمل … و انسحاب تكتيكي واحدا تلو الآخر … فقد خجلوا أن يواجهوني : هذا ما عندك ؟!!
الاعتراض لم يكن على معاقبة اللص …. و لكن لم يكن هناك أي منطق بمعاقبة المفتش في حال فشله في إكتشاف اللص…. و صدقا عندما فكرت بذلك وجدت في ذلك منطقا… ناهيك عن الاعتراض على ان الحاكم له مطلق الصلاحية في تقرير حجم العقوبة و طبيعتها …. و ليس على الجلاد سوى التنفيذ بغض النظر من هو المتلقي للعقوبة … اللص الحقيقي أم المفتش الخائب.
لا يوجد طريقة أو سبيل للمفتش لكي يجد اللص إلا بحدسه و ربما اذا كان بارعا في قراءة تعابير الوجه أو ربما إرتباك في التصرف و تلعثم في الكلمات ….و لكن المفتش يكون اكثر ارتباكا لانه يعرف بأن قراره الخاطئ ستكون عاقبته وخيمة عليه بتلقي العقوبة بدلا من اللص.
هل فعلا بتنا نخاف من الاشارة لمواقع الفساد و الخلل … لأن الحاكم و الجلاد جاهزون بالمرصاد …و العقوبة قد تكون أكبر بكثير من عقوبة الفاسد ذاتها. أين مفهوم المواطنة في عدم السكوت عن الفساد و الفاسدين و محاربتهم …. اذا كنا تحت طائلة المسؤولية في كل ما نقول أو نكتب …. و ليس عندي تفسير لماذا يغلظ الحاكم العقوبة على المفتش اذا ما كان تقديره خاطئا …. و لا افهم ابدا لماذا يستمتع الجلاد بمعاقبة المفتش مع انهم يعرفان أنه ليس اللص ….!!!!
احتار فعلا ما الذي يكبح جماح الناس الذين يشهدون حالات الفساد عن الابلاغ عنها حتى و إن كانوا هم إنفسهم ضحايا ذلك الظلم ….و احتار اكثر … لماذا لا يقوم من لديهم حصانة و لو شكلية – اقصد النواب- بالابلاغ عن قضايا الفساد رغم ان القانون يحميهم من الحاكم و الجلاد؟!….ما الذي يمنع الاقلام الحرة و اصحاب الفكر و الرأي من ابداء رأيهم بحرية عبر منابرهم الاعلامية او عبر وسائل التواصل ؟! .
مم نخاف؟! … و كلنا يعلم أن الله بيده الرزق و الأجل يقينا لا مواربة فيه …. لماذا نتقبل عودة الفاسدين الذين جاوزوا خريف العمر و شتاءه ليتسيدوا المشهد من جديد …؟! هل يحتاج المفتش فعلا لأي دليل ليعرف أن هؤلاء العائدون هم لصوص الأمس ..؟!. بعد أن نهبوا مقدرات البلد و ثرواتها و أثقلوا كاهل البلد و المواطن بمليارات كثيرة من الديون لا أحد يعرف أي طريقة للتخلص منها أو تسديدها …. و لكنهم ينهمرون علينا كالمطر في مواقع قيادية هنا و هناك …. و كأنه بقي في جسد الوطن أي مكان لطعنة رمح أو ضربة سيف .!!
أيها الحاكم …رفقا بما تبقى …. لم يتبق الكثير … و إننا فعلا نشكو إليك قلة الجرذان …. و أيها الجلاد … كف سوطك …فقد أصاب أرواحا قبل أن ينهك الأجساد … أنت تعاقب الشخص الخطأ …!!!! و يا أيها اللصوص … لن تخدعنا ابتساماتكم الصفراء …و لا عباءات الكذب و التدليس …. نعرفكم واحدا واحدا … و ستطاردكم لعنة الشعب المظلوم و أنتم في طريقكم لمزابل التاريخ ….
” دبوس على عودة الفاسدين !! ”

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى