جامعاتنا تتحول من معاقل للعلم إلى مكاتب للتحقيق

جامعاتنا تتحول من معاقل للعلم والبحث إلى مكاتب للتحقيق وإيقاع العقوبات
أ .د أنيس خصاونة
يتطلب العمل في المؤسسات الجامعية والأكاديمية شيوع وانتشار أجواء الحرية العلمية ، وحرية التعبير والتفكير، والانتقاد ،حيث أن توفر مثل هذه الأجواء يشكل بيئة خصبة لإطلاق العنان للأفكار وتسليط الضوء على أماكن النقص والضعف واجتهاد سبل الصلاح والإصلاح. ولعل ما يميز أساليب العمل في الجامعات والمراكز البحثية عن المؤسسات الحكومية التقليدية هي تلك المرونة في التعامل مع الهياكل الإدارية والتركيز على النواتج النهائية للأداء بدلا من التركيز على الوسائل والإجراءات التي تكاد تصبح هي الهدف في كثير من المؤسسات التقليدية .
ألمؤسسات الجامعية في الدول التي تقدر قيمة العلم والعلماء باتت تحرص على توفير الحريات الأكاديمية والبحثية والتي تشكل حرية التعبير قوام هذه الحرية إذ كيف يمكن للباحث وعضو الهيئة التدريسية أن يسهم في خدمة مجتمعه إذا لم يمارس التشخيص الصحيح للمشكلات ونقدها وإبراز العيوب ومظاهر الخلل والاختلال !!! درسنا في عدد من الجامعات الغربية وزرنا العديد من مؤسسات التعليم العالي ولم نلمس هناك أي ميل لاستخدام الطرق الاستخبارية ، والكيدية ،والترصد للإيقاع بالعاملين في هذه الجامعات وتحويلهم إلى لجان تحقيق ومجالس تأديبية .لم اسمع يوما على مدار أكثر من ستة سنوات من الدراسة في الجامعات الأمريكية بانعقاد لجان تحقيق لأعضاء الهيئة التدريسية أو الإدارية.
ظاهرة جديدة في جامعاتنا الأردنية تتمثل بنزوع بعض قياداتها الشابة إلى الإفراط في استخدام لجان التحقيق وعقد المجالس التأديبية على الطالع والنازل ، لا بل فإن هذه الإدارات تسهم في تحويل الجامعات إلى منظمات أمنية يسيطر عليها أجواء التحقيق والعقوبات والإنذارات لدرجة أن بعض العاملين في هذه الجامعات فقدوا الاهتمام بالشأن العام وأصبح التدريس عملية روتينية جامدة فاقدة للحياة ، كما أصبح البحث العلمي شأنا يتعلق بالترقيات فقط ولا علاقة له بالواقع ، والأهم من ذلك كله انعزال الكوادر التدريسية عن إدارة الجامعة وشعورها بالبون الشاسع الذي يفصل عملها عن اهتمامات رؤساء الجامعات المنخرطين في التنقل والترحال من مطار إلى مطار ، ومن زيارة إلى زيارة وعند العودة للجامعة تنخرط الإدارة بأعمال بيروقراطية ، وتشكيل لجان تحقيق وفرض العقوبات أو التهديد بها فعن أي أجواء أكاديمية نتحدث؟
إن سيطرة الأجواء الأمنية والسلطوية على بعض الجامعات الرسمية ونزوع إدارات هذه الجامعات للإفراط في استخدام لجان التحقيق مع العاملين في هذه الجامعات ، والتلويح بالعقوبات والإنذارات وفقدان الامتيازات الوظيفية كل هذه الأجواء تحرف الجامعة عن دورها الحقيقي في تشجيع التفكير والنقد الذي يشكل حاضنة للإبداع والتجديد والخروج عن الطرق التقليدية في العمل والأداء ، كما أن سيطرة مثل هذه الأجواء السلطوية يفقد الجامعة المناخات التي تضمن التفكير الحر وخدمة المجتمع ويجعل الجامعة أقرب ما تكون إلى مؤسسة أمنية أو تنظيم بيروقراطي ذا طابع عسكري يركز على ألأمر والطاعة والانصياع بدلا من النقد وتشخيص المشكلات واقتراح حول لها.
وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور وجيه عويس مدعو لدراسة هذه الظاهرة التي بدأت تستشري في بعض جامعاتنا ،ظاهرة الإفراط في لجان التحقيق والمجالس التأديبية واستخدام العقوبات ،كما أن الوزير عويس ومجلس التعليم العالي الذي يرأسه مدعوان إلى دراسة ومناقشه ظاهرة مقلقة تتمثل في الاستخدام الكيدي للصلاحيات التي يمتلكها رؤساء الجامعات وذلك للإيقاع بزملائهم الذين أبوا أن ينحنوا للنزوات السلطوية لهؤلاء الرؤساء الذين تتعاظم لديهم اتجاهات استبدادية لا تنسجم مع طبيعة وروح العمل الجامعي والأكاديمي فهل من مدكر…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى