ثوروا داخل منازلكم / نداء أبو الرُّب

ثوروا داخل منازلكم

اختلفت كافة مناحي الحياة في أوطاننا مع اندلاع ثورات الربيع العربي، كثيرون طالبوا بإسقاط أنظمتهم الحاكمة ونجحوا، وآخرون تم ردعهم فاستسلموا، وانقسمنا نحن كشعوبٍ تعشق التحليلات السياسية وإبراز مواهب الحديث عن مواضيع الشارع العربي إلى مؤيدين للثورات أو معارضين لها، وبعضنا فضّل أن يكون محايداً يراقب بصمتٍ فلا يبدي إعجاباً ولا يذرف دمعة تضامنٍ واحدة، ولكن تبقى النقطة الأهم التي يجب أن نتحدث عنها ونكتب لأجلها سطوراً كثيرة، هل من فكروا بالثورة على الأنظمة أحرارٌ في منازلهم أم أنهم عبيدٌ لحياة فُرضت عليهم قسراً؟؟ كم من شابٍ مراهق خرج إلى الشارع في مظاهرات وهتافات هو داخل منزله يعاني من عنفٍ أسري واضطهاد؟ كم من امرأة تهتف باسم الحرية خارجاً وهي في داخل بيتها مقيدة بأصفاد؟؟ هل تتجزأ الحرية ويفهمها كل منا حسب هواه؟؟ أم أنها كلمة شاملة تبني كل مفاهيم الحياة؟

لن يصبح المرء حراً في وسط خارجي وهو مظلوم داخل أسوار منزله، الثورة تبدأ ضد أنفسنا التي ترتكب الحماقات، ثم تصبح ضد جوفٍ منزل مظلم هش ضعيف الأساسات، وتتطور فيما بعد لثورة ضد أي ظلم وتجبّر في الخارج، صعود السلم لا يكون دفعة واحدة، بل خطوة خطوة حتى بلوغ القمة وتحقيق الأهداف والتخلص من الدونية والانحطاط، فالجرائم بحق الإنسانية داخل بيوتنا كثيرة بحق العباد، وممارسة أشكال السادية البغيضة بين أفراد عائلاتنا في ازدياد، لم يعد يخلو يومٌ في مجتمعاتنا العربية دون سماع قصة ضرب زوجٍ لزوجته، أو اغتصاب أب مجنون لابنته، أو استفزاز زوج لزوجها ومعايرتها إياه على فقره، أو غضب أخ وتعديه على أخته، بيوتنا مليئة بالبراكين الهائجة التي لا تهدأ، من تحرق قلوب ساكنيها أولاً بأول، لا سبيل لإخمادها سوى بثورةٍ تحطّم بنيان المنازل أكثر، عن طريق طلاق أو هروبٍ يفكك أسرة ويجعل هلاكها أكبر.

الثورة داخل منازلنا تعني أن تُوضع النقاط على الحروف، ليعرف كل فردٍ ما له وما عليه بعيداً عن العجرفة والتمرد غير المدروس، الثورة الداخلية لا تُصنع بصراخٍ وعويل واضطهاد للبشرية، بل بمعالجة المشاكل بحكمة ورويّة، قبل أن تثوروا على الحكام يا شعوب الأرض، ضعوا بحزمٍ حداً للمظالم داخل أسوار بيوتكم، من هدمت أمنكم وسلامكم وبالغت في نهشٍ لحومكم، فقد قالها نيلسون مانديلا: الحرية لا يمكن أن تُعطى على جرعات،  فالمرءُ إما أن يكون حراً أو لا يكون حراً..!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى