توجيهي للبيع … / شبلي العجارمة

﴿ توجيهي للبيع …﴾

التغيير مفردة عربية فصيحة تأخذ جدولاً زمنيا يبدا بوقت ويسير بوقت ونلمس نتاٸجه بعد المعطيات الصحيحة بوقت، وحين قمت بحلق شاربي علی الصفر ولبست الجينز واشتريت قمصان حمراء وصفراء وتي شيرتات ملونة وارتديت حذاء بدون جرابين لأول مرة واجهت موجة من الانتقادات اللاذعة بدءاً من زوجتي التي شککت بکل هذا التغيير المفجایء والطاریء، وحتی أبناٸي وإخوتي والأصدقاء لم أسلم من أسٸلتهم ونقدهم اللاذع،لدرجة أنني قررت أنّ أذهب إلی الشوادرجي ليخيط لي ثوبا من الخيش القديم .
هذا التغيير کان علی مستوی شخصي لا يٶثر علی أحد ولا يعبث بخصوصية ومستقبل أحد ،ومن باب أنني مارست حريتي الشخصية ضمن ضوابط وأسس التزمت بها، وحتی لا يفهم الجميع أنني من باب التنغيص أو الامتعاض من فرحة فلذات أکبادنا واجتيازهم للمرحلة الثانوية قررت کتابة هذا المقال.
إن أزمة الثقة الحقيقية التي نواجهها جميعاً وأنا جزءُُ من هذا الشعب هي أزمة عدم الثقة بما يخططه المسٶول الأردني في مواقع صنع القرار لهذا الشعب والوطن والشواهد علی فشل القرارت والتجارب شرحه أطول مما سأکتب وفي کل وزاراتنا ،باختصار فسياسة السلق وعدم نضج طبخة القرارات ومرورها بمراحل أسرع من لمح البصر، دون التخطيط السليم والعمل المٶسسي والمنهجي الواضح هي السياسة والتخطيط والتخبط العشواٸي الساٸد والطاغي علی المشهد في جميع مٶسسات الدولة بدءاً من الوزارة وحدث ولا حرج.
وزارة التربية والتعليم أصبح من النادر أنّ يتسلم حقيبتها رجلاً تربوياً حقيقياً تدرج في مراحل إعداده من معلم متميز مرورا بمديرياتها ودواٸرها حتی وصل لرأس هرم العملية التربوية، لکن من المحبط جداً أنّ تسمع وتری هذا المعلم المحبط حين تسأله عن سبب إحباطه ولماذا هو فقط يأتي لعد الأيام فقط للتقاعد؟، فيقول لك صديقي وزير التربية صار ييجي بالمنديل مشخل جاهز ومن خارج رحم العملية التربوية ولماذا أغلب نفسي من أجل قضية خاسرة منذ تعييني من الساعة الأولی؟.
ناهيك عن أنّ الربط بين أواصر العملية التربوية والعمل بجدية ونهج واضح علی ثلاثيتها بدءاً من المعلم والمنهح وانتهاءً بالطالب يکاد يکون معدوماً بتاتاً ، فإذا رکزنا علی المنهاج تناسينا الطالب والمعلم وبالعکس ، لذلك بات مشهدنا التربوي مشوهاً ويعاني من التخبط والإرباك وعدم السير علی نهج واحد وخطی ثابتة ذات رٶی ثاقبه.
لکن مشهد وزير التربية في المٶتمر الأخير کان مدعاة للسخرية والاستهجان، فقد استحوذ علی المشهد وجاء بالأمين العام علی يمينه ومدير الامتحانات أيضاً من باب البروتوکول والبرستيج للصورة ، ولم يکتفي فقط بإعلان النتاٸج بشکل عام وشکر الجهود التي ساهمت بإنجاح العملية أثناء الامتحانات کقاٸد معنوي ثم ليترك المجال لأمينه العام ومدير الامتحانات والاختبارات کمتخصصين بالحديث عن الأرقام والنسب المٸوية من باب الاعتراف بجميلهم وجهودهم ومن باب أهل مکة أدری بشعابها ، بل کان شرهاً للمايك ومحطات التلفزة والظهور الإعلامي فقط .
العروض التي نراقبها عن کثب ونشاهدها عن صمت والتي تم تقديمها أکثر من عروض مولات التنافس ومحرقة الأسعار تم تقديمها هذه المرة لامتحان الثانوية العامة بجميع وساٸل التسهيلات، فقد تم إلغاء تشغيل أجهزة منع البث داخل القاعات للهواتف الخلوية وهذه الأجهزة التي کلفت الدولة ملايين الدنانير تم وضعها في مستودعات الغبار ،ناهيك عن تقييد هيٸات المراقبة بعدم الحرمان لمحاولات الغش أو زعزعة أجواء الامتحانات والاکتفاء بالإنذار فقط کوسيلة ردعّ، وشکلية الأسٸلة السهلة جداًً والتي کانت أغلبها موضوعية ،وحتی احتساب العلامات أثناء التصحيح ومراعاة جهد الطالب ،حتی قرار الامتحانات التکميلية للجميع ،وکانت النتاٸج المبهرة والعلامات المرتفعة جداًً التي شککتنا بأن هذا العام مختلف جداًً جداًً وکأنه عام جيل علماء الفضاء والفيزياء وخبراء الطب.
وأنا الآن طالب في الجامعة الأردنية ومتفوق في تخصصي اللغة العربية أعاني من ازدحام الطالبات والطلبة علي للجلوس حولي في الامتحانات للغش وهم لا زالوا طازجين من الثانوية العامة وأنا طالب ثانوية عامة منذ عام ١٩٨٧م ،فالأجدی أنهم هم من يحملون علم أفضل مني ،لکنهم هٶلاء هم مخرجات التسهيلات وعروض التوجيهي وشباب الدروس والمراکز الخاصة المدفوعة مسبقاً.
ستصفق لك الجامعات الخاصة معالي الوزير وبالذات صناديقها المالية ،وستتغنی باسمك أيضا مراکز التدريس الخصوصي وأساتذة البيوت المختصين الجزارين ، وستزغرد لك نشوة النجاح والمعدلات المذهلة ، وستکون أنت حديث الجدل والتوافق الشعبي والإعلامي لکن إلی متی ؟، لکن القبولات ستبقی هي هي ،والطاقات الاستيعابية للسوق التشغيلي سواء العام والخاص هي هي ، لن يتغير شيء ولن تدور الأرض حول نفسها أکثر من مرة ، فقط ازدحام علی المعاهد والجامعات والدروس الخصوصية ، لکن بعيدا عن واقع المخرجات سواء الشخصية أو النوعية أو الکمية ،ولرفد طاقات ليست ضمن المستوی المطلوب أو ضمن مدی طيف التحديات ، لأن التأسيس کان هشاً للغاية ونحن نعرفُ ماذا تقدم المدارس الحکومية إلا مدارس الإناث والقليل من مدارس الذکور لأکن منصفا للغاية.
أنتم تخططون لأجيال ستقود هذا الوطن يوماًً في مراحل لن تکون سهلة ومستقبلاً ليس محفوفاً بالورد طريقه، فقبل أن تجروا أقلامکم علی الورق من فوق فنجان قهوتکم البرازيلية وتحت المکيف علی مکتب الأبانوس الفاخر جروا أقدامکم علی مدارس القری والمدن وبعد تقييمکم للمشهد لا مانع من قرارات واقعية تٶمنون بها وتقتنعون بنظرياتکم قبل أنّ تسوقونها لنا ونتجرعها بطريقة العروض وحرق المراحل ،إذ نتمتی أنّ لا ينتهي العرض بانتهاء مدة وزارتکم النهضوية المذهلة ورحيلها للمجهول .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى