تغربية الثلج / جهاد برخ

تغربية الثلج
ما اجمل تلك اللحظات ونحن بانتظار تلك الحلة البيضاء البهية التي تأسر الالباب ويهواها الفؤاد وتلك النسمات المنعشة التي وان كانت باردة فشوقنا لها يطغى على أي شعور آخر وصور في خيالنا عمن عاش ايام الثلجة ((الكبيرة)) وماغمرهم من سعادة يجعلنا على النوافذ نراقب ونرى جمال الثلج ونرصد سرور وضحكات الذين هم عائدون من (الخارج) وما سر سعادتهم والجواب لا يحتاج إلى تفكير طويل فهم باختصار في( الخارج ) ونحن نغض الطرف عما يقولون من قسوة البرد وشدة ألم بعد لحظات من نشوة الخروج واللعب بالثلج ..
ويتراكم الاصرار فينا كما تتراكم الثلوج على زجاج السيارات واطراف الطرقات وتترفع اصواتنا نطالب بأذن للخروج تمنحه أمنا الحنون ويشفع به الوالد الغالي .. وهم الحرصون علينا اكثر من انفسنا ويعملون أننا سنلاقي عواقب وخيمة لأصرارنا..
وعند لحظة الفرح البالغ نخرج لنطفئ لهيب اشواقنا ونلهو بكل شئ و نحقق ذوره طموحنا ليوم وغدا اجمل ولنبحث عن سر السعادة التي نحسبها تغمر اولئك الذي عادو من (الخارج) ..
ونركض على اقدامنا وكأنها تحملنا الى كل مكان ونسمع اصوات رقيقة في قاعات المطارات تنادي بسرعة اللاحق بالرحلات قبل فوات الاوان!! وافتراش الزائر الابيض !! فلا حدود له ولا قيود عليه ونبدأ نجمعه ونراكمه .. ونقدس رجال الثلج ونجل ارتفاعها الشاهق عن قدراتنا الصغيرة ونحن ندرك انها تذوب ولا تبقى وننسى ان الساعات وايام العمر تذوب ايضا..

ونحتمل صفعات كرات الثلج ونسقط مرات ونعود للقيام ونسقط ولا نعتبر في سبيل السعادة المرجوة والحلم الكبير ويلفنا البرد وتلسعنا شدته كما توحشنا الغربة والبعد عن البيت والوطن …ونستيدر لنعود لنجد انفسنا قد ابتعدنا كثيرا ونعلم تماما اننا لن نعود كما خرجنا ابدا فقد ملأ اليأس حالنا كما الماء ثيابنا وانكشف الوجه القبيح لذلك الجمال المزعوم ..

ونريد العودة وتثقلنا أوزارنا وأوزار مع أوزارنا فذاك قد غضب منا بعد ان مازحناه و ذاك شتمنا بعد ان قذفناه وذاك قد طلب منا شئيا من الثلج فمنعناه فثلجنا قد تعبنا من اجله وتحملنا من اجله مشقة الخروج ..
ونعود مثقلين والخيبة على محيانا ولكن نغطيها بضحكاتنا وزيف سرورنا فنحن عائدون من ( الخارج )ولا يجدر بنا الا الفرح… ولافرح بصدق الا لاننا عدنا وعند اول قبلة على يدي أمهاتنا وآبائنا وعبرة تكتم وتترقق فرحا باللقاء ندرك تماما ان كل ما جمعناه من حطام السرور وان كان كثيرا لا يعادل يوما واحدا ولاحتى ساعة ابتعدنا فيها عنهم…

ويسدل الليل ستاره ولا يزال الزائر الابيض يفترش كل مكان وكل ارض يحل بها بردا وسلاما ويغطي كل ما يعلوه مهما كان حاله ويزداد جمالا وكأنه يغوي اخرين ليهو بهم وكثيرين ما هم يشكون في زيف ضحكات العايدين ولكنهم على يقين انه لا سقف يظلهم ولا ارضا تقلهم ولاحتى مدفأة يبقون حولها ولاغطاءا يقيهم شدة البرد فلا مناص من خروجهم..
و يأفل العائدون واحدا تلو الاخر و لا تبقى الا اثارهم التي سرعان ما تزول مع ذوبان اخر الثلج .. ونعود من عند النافذة الى حيث المدفأة فبرد ما بعد الثلج اقسى من برد الثلج نفسه و لا جديد يذكر ولاقديم يعاد فكل شئ قد انتهى.. حتى الامتار المعدودة التي كنا نخطوها لنعرف اخبار الثلج عند بدايته ونهايته قد انقضى سرورها وتشويقها فما هي الا سنتيمترات قليلة بيننا وبين مواقع التواصل الافتراضي فنحن لازالنا ب(الخارج) على امل ان نعود..

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى