تسطح الفكر وتسطيح الشباب

تسطح الفكر وتسطيح الشباب
الدكتور ذوقان عبيدات

الأول نيوز – يقال إن المناهج المدرسية تعمل على تقديم معلومات قليلة عن أشياء كثيرة ولذلك قالوا: الأفق كبير والعمق سطحي محدود ولذلك كان المتعلم سطحياً وبشخصية مسطحة، وفي المدارس بشكل عام منعوا الطلبة من أي فكر ثقافي أو فني قالوا لهم كتاب الأغاني حرام، وعرار حرام والعقد الفريد حرام، وما عليكم إلّا دراسة ما نقرره لكم!! وما يبعدكم عن الحرام وهذا ما يواجهه الشباب في الجامعات.

من المعروف أن الشخصية العربية تربت على عيون كتب الأدب العربي عبر التاريخ، وزودت كتب الأغاني والعقد الفريد وغيرها الذاكرة العربية بأحداث وأفكار وقضايا فنية وعلمية وأدبية وطرائف ومتع عديدة. مما أغنى هذه الشخصية وجعلها تمتلك مخزوناً من الذكريات والخيال الإيجابي، ولذلك يتحدث العربي وخلفه تراث إيجابي حي يتبادل فيه المعرفة مع زملائه، أو يتحدث فيه إلى أبنائه ومحبيه وهذا ما جعلها شخصية حاملة غنية، وبنفس الوقت قادرة على استلهام التراث وتجديده وتطويره، فهذا الجزء من التراث هو جزء حيُ نامٍ لا قيود قدسية عليه. يحدثك عن قاضٍ مرتشٍ أو شاعر ملهم أو طفل سريع البديهة، أو صعلوك قاتل من أجل الفقراء أو حفل ريفي بهيج. أو باحث ترجم فكر أرسطو ولذلك نشأ الشاب عميقاً مزوداً بمخزون إيجابي هائل!!

طبعاً! تم حرمان الشباب من كل هذا فتسطّح دون عمق.

مقالات ذات صلة

وقامت أجهزة أخرى قالت له:

المعارضة حرام والانتخابات حرام، وقالت له لا تبحث عن حل فالحل الواحد موجود! الديمقراطية هي الحل، الشورى هي الحل الرأسمالية هي الحل، الإسلام هو الحل. وبذلك ركن الشاب الى ما نقدمه له من حلول فلم يعد يشغل ذكره البحث عن حل. فالحل موجود وجاهز ومعلّب!! إذن تعطل العقل وتعطل البحث وتعطّل الخيال.

ولم يكتف أنصار الحلول الجاهزة بذلك. فلاحقوا الشباب وصار من الطبيعي أن نسمع قصصاً عن معلم جامعي يشجع طلابه على لباس معين، بل ويحتفل بكل طالب وطالبة انتقل من مظهر الى مظهر واستبدل لباسه ومظهره!! كما أن من الطبيعي أن نسمع عن هدايا جديدة يتطلبها الانتقال الجديد مثل خصم 50% على ملابسك وخصم 70% على كذا…

إذن شبابنا، حرموا من التواصل مع حضارتهم، وكوفئوا على دخولهم في نمط معين، فما ترون إلّا ما أريكم، ولا تسمعون إلّا ما أقوله لكم.

ناقشت صديقاً سعودياً في النفاق إلى المسؤولين وقلت أي بلد لا تسمع فيه إلّا صوت المؤيدين هو بلد قاسٍ يكبت الرأي الحر. هاجمني وقال بكلمات سلبية وشاتمة: المعارضة ضد ديننا وطاعة الحاكم واجبة!! طبعاً هذا ليس فردياً لإن هذا المنطق يدخل في نطاق الفتوى السياسية!

سؤالي: من سطّع فكر الشباب؟ ولماذا حرموا من تشكيل أي ذكريات مبهجة: ذكريات أفراح الزواج، ذكريات الأحداث الفنية، الغناء، الروايات، كان كل فرد محملاً برصيد هائل منها. تم تفريغ ذلك كله لصالح تعبئته بفكر جاهز فغابت الذكريات الحلوة من حياتنا وصرنا نتناقل أقوالاً مكررة وسلوكات مكررة. وكما قلت توقف التخيّل وتوقف التفكير.

ولذلك يسهل نقل الشائعات ويسهل اغتيال الشخصيات وإلقاء التهم الذي تعكس التسطيح المطلوب فليس من المستغرب أن تجد استاذاً جامعياً بذكريات حارس عمارة وتجد طبيباً بذكريات راعي غنم، وشاباً بذكريات عصفور.

المطلوب: إعادة إغناء شخصية الشاب وهذا يتطلب منهاجاً لبناء الشباب، وتعاون بين مسؤولي الشباب ومسؤولي المناهج، كما يتطلب عملاً اجتماعياً واسعاً لإحداث التغيرات المطلوبة فهل الأمل موجود؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. حسبي الله ونعم الوكيل في امثالك
    كفانا الله مخططاتك بما شاء وكيف شاء

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى