عيد الحب وأشياء أخرى / يوسف القرشي

عيد الحب .. وأشياء أخرى

يتكرر الجدل كل عام حول ” عيدالحب ” وحول كل مناسبة تقريباً تحمل معنى الاحتفال مما لم يكن معروفاً أو منتشرا بهذه الطريقة خلال العقود الماضية ، فتحفل وسائل التواصل الاجتماعي بالمحتجين له وعليه ، فذاك يحشد الآيات والأحاديث ، والثاني يتكلم عن الحب والسلام ، والثالث يحاول أن يأتي بحل وسيط بينهما ، فيسمح بالاحتفال بضوابط محددة أو شروط مسبقة ، وتشتعل الساحة بين مؤيدي كل رأي ، حتى لتحس أن مواقع التواصل ساحة معركة ينحاز فيها كل إلى فريق .

أزمة ” الاحتفال ” هذه التي نعيشها كل عام مرات ومرات – باعتقادي – ليس لها علاقة لا بالحل ولا بالحرمة ، فلا الذي يحتفل ينتظر فتوى الحل على أحر من الجمر ليرى حبيبه ، ولا من ينكر الاحتفال ينتظر فتوى التحريم ليبيع وردته الحمراء على قارعة الطريق . المشكلة في الأساس هي مشكلة هزيمة نفسية متجذرة ، و رغبة في الوقوف مع الطرف المنتصر .

المشكلة مشكلة هوياتية ثقافية تجعل الشاب والفتاة مضطرا أمام نفسه للاحتفال بعيد قد لا يكون له فيه شاة ولا بعير ، اللهم إلا أن يصطف مع : “المعيدين ” ، خوفاً من أن يبدو أمام الزملاء والزميلات بمظهر الجاف أو المتشدد أو الرجعي .

مقالات ذات صلة

هذه الحالة من الاستمداد الثقافي يعكس فراغا في الثقافة المجتمعية الحالية للأمة العربية العاجزة عن التصدير، وليس أدل على كون هذا الاحتفاء بعيد غربي هو ظاهرة استعمار ثقافي بتطوع عربي وإسلامي من كون العالم يزهو بكمية وافرة من الأعياد التي تحمل معان سامية ورائعة إلا أنها ذنبها أنها ليست وليدة الحضارات الغربية المنتصرة التي جعلتنا نحتفل بذكرى قديس طردته كنيسته و عشق بنت سجانه .

وبما أننا نعبد المنتصر ؛ فلا تستغرب لو رأيت شبابنا بعد عشرين سنة يحتفلون برأس سنة ” القرد ” الذي يحتفل به الصينيون ، أو مولد الإله كرشنا الهندي في ظل تنامي هاتين القوتين على الساحة الدولية والثقافية .

الأمة الإسلامية اليوم أمة مستهلكة ، لا على صعيد المنتجات المادية فقط ؛ وإنما على صعيد الأفكار والمعتقدات ، وبالتالي فإن الشاب المسكين الذي يظن أنه يحتفل بـ”عيدالحب” ، فيحمّر لباسه ووجهه ، ليس مجبرا على الاحتفال ، بقدر ما هو مهزوم من الداخل ، هزمه المجتمع وهزمته المسلسلات والأفلام ، ليظن أن يوم 14/2 هو يوم الحب ، ليشارك في المهرجان الاستهلاكي العالمي ، الذي يذبح القيم عند أول غمزة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى