“ما في عِبٍّي ” عن حكومة الرزاز / يوسف القرشي

“ما في عِبٍّي ” عن
حكومة الرزاز

مثل كل مرة يضج الشارع الأردني بالكلام عن لوائح متوقعة لحكومة الرزاز مع ترشيحات مختلفة من هنا وهناك يقوم معظمها على التكهن الأعمى والبعض القليل يعتمد مصادر “موثوقة ” وصلت لها معلومة حقيقة .

هذا ليش غريباً في الأردن الذي يعتبر نصفه مستوزراً والنصف الأخر يعتبر النصف الأول ( قرابة ) فالحديث عن الوزارات ليس فقط محض تسلية ، وإنما هو بحث في دائرة المصالح المناطقية والعشائرية و أحياناً بعض الجكر الذي يحمل نكهتة الأردنية خاصة .

لكن الغريب أن هذه الحكومة على عكس سابقاتها ذات نفس إصلاحي – كما هو مفترض حتى الآن – فهي تأتي بعد حراك الرابع الذي أسقط الحكومة السابقة ، والشخص الذي اختير لتشكيل الحكومة هو شخص ذو رؤى إصلاحية مشتهرة وقد قدم أوراق بحثية في مجال الاقتصاد والإصلاح السياسي كما وأنه وعد منذ إعلان توليه الرئاسة بالحوار مع الشعب وممثليه في أكثر من موطن وفعل ذلك فعلاً ، وما زالت جولات تشكيل الحكومة على أشدها – يبدو بصعوبة لأكثر من سبب – بين الرئيس والنواب وغيرهم .

مقالات ذات صلة

هذا النَفَس الإصلاحي أخرج النفْس الأردنية إن صح التعبير من كلاشيهات النقاش حول ” زلمتنا وين حينتقل؟ ” و ” الفلانية شو حيطلعلهم ؟” إلى أفق أوسع … لقد منح هذا التغيير مجالاً للشعب ليفكر بحكومة رشيقة يختار الرئيس أفرادها من خلال سير ذاتية تتلوها مقابلات وبرامج عمل واجتماعات مكثفة ، وحيث يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب .

شخصياً أتمنى أن يحدث هذا ولا أتوقعه .. وسأقول لكم لم ؟

هناك حالة أحب أن أسميها بالـ ” ديمقراطية الأرستقراط” ( مع أن هناك مصطلحات تمثل هذه الحالة في العلوم السياسية لكن هذا التعبير هو الأدق ) حيث هناك تداول للسلطة و هناك قيم للاختيار حسب الكفاءة بالمجمل ، لكنها محصورة في طبقة النخبة السياسية التي تولدت عبر السنوات ارستقراطياً لا ديمقراطياً ؛ بمعنى أن هذه الطبقة وهذه النخب تكونت من خلال استحقاقات أسرية واقتصادية حققتها أجيال سابقة وبالتالي أصبحت المناصب متداولة داخل دائرة ضيقة لا علاقة لها بمنطقة أو عشيرة بل بطبقة اجتماعية.

هذه الطبقة الاجتماعية ( المرتاحة) فيها من أبناء العشائر والمناطق المختلفة ، إلا أنها لا تمثل تلك العشائر ولا تلك المناطق .. بل هي نسيج وحدها ، لها قيمها الخاصة المختلفة والتي يمكن تسميتها بثقافة “النخبة ” .

طيب ما المشكلة في هذا ؟ أليس هؤلاء هم الأقدر على قيادة الأردن في مسيرته الإصلاحية ؟ فهم خريجوا أفضل المدارس والجامعات… و عندهم من الخبرات في الـ سي في ما لا تطيقه صفحات فيسبوك ولينكد إن .

المشكلة باعتقادي تكمن في أن الأردن الذي يتحدثون عنه ليس هو الأردن ذاته الذي نتحدث عنه نحن .. الأردن الذي نتحدث عنه هو في القرى والبادية والمخيمات ، في سلاح الجندي على الحدود و في شماغ الشايب الذي يبيع الفقوس على الإشارة ليقيت عياله ، في الراتب الذي لا يكفي للخامس من الشهر ، في الأرض التي بيعت لتسديد أقساط الجامعة و الدين الذي ترتب لسد خازوق العرس .

الأردن الذي يتحدثون عنه أردن آخر … تستغرب فيه وزيرة من رجل يسكن التسوية ، و يستبعد فيه النائب وجود ” المسخمين” ، ويعد الآخر بأن يجلب الدين من المواطن وإن اضطر ” لتشليحه ” .

هذه القيم موجودة داخل ثقافة النخبة ( في العالم كله لا في الأردن فقط ) ،” فالفقراء كسالى لا يريدون العمل ، وابن القرية والبادية ذوا عقل محدود ، ونحن (النخبة ) نحكم هؤلاء الرعاع لأننا أدرى بمصلحتهم” .

إذا كان الدكتور الرزاز جاداً في الإصلاح .. فأول ما ينبغي عليه فعله هو إعادة هيكلة منظومة تصدير النخبة السياسية لتنتقل من الارستقراط إلى الشعب ، ليصبح ابن القرية والبادية والمحافظات وعمان الشرقية والجنوبية قادراً ان اجتهد أن يصبح يوماً ما في منصب يستحقه .

وليس هناك من يقوم بمثل هذه الوظيفة – توليد النخب السياسية – مثل الأحزاب الحقيقية التي تعمل في جميع مناطق المملكة وتعلم بأنها تصنع مستقبلاً للأردن بجهود أبنائه ، ولن تستطيع الأحزاب أن تقوم بهذا دون قانون انتخاب يجعل القوة في صالح البرامج السياسية والاقتصادية بدلاً من المناطقية والحاراتية، حينها فقط ستستطيع الأحزاب تطبيق ما ناقشه جلالة الملك في أوراقه النقاشية .

دون ما ذكرته أعلاه.. سنبقى في ديمقراطية الارستقراط التي لم تجلب للشعب إلا مسؤولين مصالحيين (في الغالب) أخرجوا الشعب من بيته في رمضان إلى الدوار الرابع ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى