تحديات الأمن القومي العربي في القرن الواحد والعشرين
هل تستيقظ الأمة؟
في تسعينيات القرن العشرين حدثت عدة تطورات في عدد من البلدان أدت إلى حصول تغيرات إقليمية ودولية أثرت بشكل واضح وكبير على وجه النظام العالمي وعلى التحالفات القائمة داخله، كان من أبرز وأهم هذه المتغيرات هو انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراط عقد دول المنطومة الاشتراكية، وصعود الولايات المتحدة الأمريكية كقوة وحيدة لتحكم العالم وتؤسس النظام الدولي الجديد، ومن أهم هذه المتغيرات أيضاً سقوط النظام الإقليمي العربي، وظهور الاستراتيجية الغربية الإسرائيلية بديلاً عنه، فبرز مفهوم الشرق الأوسط الجديد، والشراكة الأوروبية المتوسطية، وتم عقد جملة من التحالفات الأمنية بين عدد من الدول محلياً وإقليمياً ودولياً، وتجلت الشراكة الأمريكية الإسرائيلية في أقوى مراحلها، وكذلك ظهر تحالف إسرائيل القوي مع كل من إثيوبيا وجنوب السودان، وفي بداية القرن الواحد والعشرين شهدت المنطقة العربية احداثاً مهمة مثل الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003 مروراً بالعدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة ولبنان وصولاً إلى الاحتجاجات الشعبية والحراك الجماهيري الواسع في عدد من الدول العربية في بداية العام 2011، وكذلك استمرار تداعيات الأزمة السورية واليمينة والعراقية حتى اللحظة.
من أبرز ملامح المرحلة الماضية هو غياب استراتيجية أمنية عربية واحدة وواضحة ومحددة، والأخطر كان نزوع كل دولة عربية وحدها لصياغة مفهوم وعمق استراتيجي لأمنها، وبروز القطرية والحلقية أكثر فأكثر في العديد من الدول العربية نتيجة عدم قدرتها على مواكبة التطورات والمتغيرات الدولية وشعورها بالتهديد، وتم تفتيت العالم العربي إما إلى دول وحدها، أو إلى تجمعات صغيرة وتحالفات بين دولتين أو أكثر، فبتنا نسمع أصوات أن هذه الدولة أولاً، أو تلك الدولة من الدول العربية أولاً، شعارات قاصرة عن الإدراك الحقيقي أن المخاطر تهدد الجميع في المنطقة، ولا تستطيع أية دولة ولا أي كيان وحده أن يتصدى للمخاطر التي تهدد الأمن القومي العربي وحده دون مشاركة وتعاون ووضع استراتيجية بشكل جماعي، كل هذا وفر المناخ المناسب للعديد من القوى الدولية والإقليمية في التدخل لإيجاد عمق استراتيجي لها، بما في ذلك إسرائيل التي تعتمد سياسة خلط الأوراق وتعقيد خريطة الصراع في المنطقة بما يحقق لها مكاسب سيوستراتيجية، من خلال تعميق الصراعات في المنطقة العربية حنى تظل هذه الدول منشغلة بخلافاتها مما يعيق مشروعها التنموي ويضعف من قدراتها الدفاعية، ويستنفذ قوتها العسكرية المتنامية، هذا الوضع جعل من مفهوم الأمن القومي العربي قضية تشبه الأمنية التي تستعصي على التحقق، إلى أن أصبح مفهوم غير قابل للتحقق بعد أن قام العراق باحتلال الكويت العام 1990، إذ تم نسف أحد أهم مفاصل نظرية الأمن القومي العربي، التي كانت تستند على أن التهديدات التي يواجهها العرب هي تهديدات خارجية، الامتحان الثاني الذي رسبت فيه الأنظمة العربية هو قبل وأثناء الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، إذ كشف هذا الغزو عن قصور كبير في فهم الدول العربية لمفهوم الأمن القومي العربي، وعجزها عن وضع خطة أمنية واحدة وصياغة توجيهات استراتيجية تضمن مصالح وأمن الشعوب العربية، وكشفت تلك الفترة عن هشاشة الوضع العربي برمته وضعف التلاحم والتضامن والتعاضد الأخوي الذي كان يملئ خطابات القادة العرب، واتضح للشعوب العربية أن شعارات الأمن القومي العربي والمصالح الاستراتيجية المشتركة للعرب والتضامن بين أبناء الدين الواحد واللغة الواحدة والجغرافيا الواحدة والهوية الواحدة والمصالح الواحدة، هي فقط يافطات يرفعها القادة العرب للرد على مطالب الشعوب وتخدير مشاعرهم، فلا وجود فعلي وحقيقي لشيء اسمه نظرية الأمن القومي العربي، ولا شيء اسمه تضامن الأشقاء العرب، في حين لا يعلم المواطن العربي الذي يعاني من الضغوطات الأمنية على وجه الحقيقة ماذا تقصد الأنظمة العربية حين تتحدث عن الأمن القومي العربي، فهو ذاته المواطن المسكين الذي غالباً ما تستعمله الأنظمة السياسية العربية لحفظ الأمن والنظام داخل الحدود القطرية، بالرغم من أن المواطن العربي لم يشعر يوماً بالأمن ولا بالأمان بسبب أن الأجهزة الأمنية داخل الأنظمة العربية تقوم بمراقبة وملاحقة مواطنيها أينما كانوا.
ومن سوء طالع الشعوب العربية أن أنظمتها السياسية ومفكريها الاستراتيجيين مازالوا لم يتفقوا على مفهوم الأمن القومي العربي، إذ مازال هذا المفهوم ملتبس لدى العديد من الدول العربية، ولايوجد تعريف واحد له لدى العرب الذين يرسمون ملامح الأمن القومي كل حسب مفهومه ومصالحه تحالفاته ورؤيته لخريطة الصراع في المنطقة، أيضاً ما زالت علاقة الأمن القومي العربي بالأمن القطري لكل دولة علاقة ضبابية غير واضحة لدى كافة الأنظمة العربية، فأين يبدأ الأمن القومي العربي بالنسبة للأنظمة وأين ينتهي، ومتى يبدأ الأمن القطري ومتى ينتهي، وكيف ومتى وأين يتم الأنحياز لأحدهم على حساب الأخر ولماذا، كل هذه المفاصل تربك العقل والفكر السياسي العربي لتجعله يظل بعيداً عن صياغة أية مقاربة واضحة محددة للأمن القومي العربي، في وقت بات فيه لكل الدول ولجميع التكلات في العالم مفاهيم واضحة المعالم لأمنها القومي.
هناك عدة تحديات تواجه الأمن القومي العربي، منها تحديات خارجية ومنها داخلية، فماهي التحديات الاستراتيجية التي تشكل تهديداً للأمن القومي العربي ؟
أولاً- وجود إسرائيل: لاشك إن أبرز تحدي يشكل خطراً على الأمة العربية هو إسرائيل، هذه الدولة التي تم زرعها في قلب العالم العربي بهدف تمزيق أوصاله والسيطرة على بقعة جغرافية مهمة جداً وذات دور سيوستراتيجي لخدمة مصالح الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية بوجه خاص، ومن أجل ذلك خاضت إسرائيل حروب ومواجهات متعددة مع العرب، ومنذ إنشائها تبنت إسرائيل في تعاملها مع جيرانها العرب سياسة المحاصرة والتطويق ثم البتر.
ستظل إسرائيل في الأصل والبدء وفي النهاية عي العدو الرئيسي للعرب، وهي المصدر الرئيسي للخطر الذي يهدد الأمن القومي العربي، لأن في الأصل قيام إسرائيل كان يعبر عن حالة الضعف العربي ليزداد عمقاً بعد قيام هذا الكيان في المنطقة، ليصبح تهديد إسرائيل شمولي ومتواصل للآن.
ثانياً- الإنقسامات العربية: وهي قضية قديمة حديثة، أي أنها مسألة مزمنة لايبدو أن لها مقاربة علاجية في المستقبل القريب، ونحن هنا لانتحدث عن اختلاف المصالح وتباين المواقف بين الدول، فهذه الأخيرة حالة تعبر عن أعراض التشارك والتكامل والتعدد والتنوع، وهي في هذا السياق أعراض صحية لابد منها للتعافي والنمو، نحن نتحدث عن تحول التباين في الآراء من الحالة الصحية إلى الحالة المرضية، حين تنتقل من وضع الحوار الهادئ- كما يفترض- إلى وضع تتواجه فيه الأطراف بشكل ميداني عنيف، ويصبحون في حالة من العداء والخصومة التي تستعمل فيها أساليب غير مشروعة بهدف أن يصل كل طرف إلى غاياته، في عملية يختلط فيها الحق بالباطل، الاستراتيجي بالمرحلي، وتغيب فيها الضوابط القانونية، لكن الدول والتكتلات المتطورة في العالم والتي بينها العديد من التباينات في المواقف، لا تدع الاشتباك السياسي فيما بينها أن يصل إلى مرحلة القطيعة.
ثالثًاً- الديون العربية الخارجية: فقد أظهر تقرير صادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، أن الديون الخارجية العربية قد بلغت في العام 2016 ما قيمته “923.4” مليار دولار، وهو رقم مخيف ويتصاعد باستمرار، إذ يشكل ضعفي الديون العربية في العام 2000 حين كانت قيمة الديون “426.4” مليار دولار، وذكر التقرير أن هذه القفزة بأرقام الديون كانت بسبب نزوع العديد من الدول العربية إلى الاقتراض وإصدار سندات دين سيادية لتمويل العجز في موازناتها بسبب الصعود المتواصل في حجم الإنفاق الحكومي.
وبطبيعة الحال فإن جميع الأزمات الاقتصادية التي تعيشها البلدان العربية، هي في الحقيقة أزمات بنيوية وهيكلية متنوعة الأبعاد، تشابكت بشكل معقد مع بروز أزمات النظام النقدي، وأزمة الطاقة، والغذاء والبطالة، كل هذه الأزمات في العالم العربي انعكست في عجز الموازنات ترافق ذلك مع الركود والتضخم، وبطئ في الإنتاج والنمو وظهور أزمة الدين العام.
رابعاً- مشكلة البطالة: وتعتبر مشكلة البطالة في العالم العربي واحدة من أهم التحديات أمام المخططين العرب الاستراتيجيين، لما تخلفه من آثار مدمرة على قطاع واسع من القوى القادرة على العمل، خاصة شريحة الشباب منهم، فتدفعهم إما للبحث عن محاولة مغادرة الأوطان إلى أماكن ودول أخرى توفر لهم فرص العمل والحياة الكريمة، بعد أن يصلوا إلى مرحلة الإحباط واليأس في إيجاد فرص العمل في الوطن الذي تعلموا فيه، وبذلك تكون الدول العربية أكبر الخاسرين خسارة مزدوجة لهؤلاء الشباب وعقولهم وقدراتهم في تطوير بلدانهم من جهة، وخسارة الأموال التي تكبدتها هذه الدول في تعليم وتأهيل شبابها في المدارس والجامعات ، وإما يلتجئون إلى طريق المخدرات والجريمة والأعمال غير الشرعية، وربما لجؤوا إلى ممارسة العنف والإرهاب بعد أن يكونوا قد شعروا بالكراهية تجاه مجتمعاتهم وأنظمتها السياسية، فيشكل ضعف الإنتماء الوطني الذي تولد لديهم نتيجة مشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية بسبب البطالة، يشكل هذا مدخلاً مناسباً للجماعات المتشددة التي تستوعبهم وتضمهم إلى تنظيماتها المسلحة وتذكي روح الكراهية فيهم.
خامساً- التطرف و الإرهاب: تعاني معظم الدول العربية من اضطرابات سياسية وفكرية واجتماعية ودينية تسبب التطرف والعنف الأمر الذي أدخل الكثير من الأنظمة العربية في حالة من الفوضى والحروب والصراعات الأهلية، وقد أدت حالة الانسداد الفكري إلى انقسام الدول والمجتمعات العربية إلى عدة كيانات طائفية ومذهبية وعرقية ومناطقية، بحيث وصل الانحطاط الأخلاقي إلى أدنى درك مما يهدد بتفكك وتشرذم المنطقة إلى دويلات وكانتونات، والتطرف الذي يواجه العرب ليس فقط تطرفاً دينياً وإن كان هو الأبرز، لكن هناك التطرف السياسي والثقافي والاجتماعي والتطرف القومي، هذه الأشكال من التطرف تطفو فترة ثم تخفت ليظهر أحدها ويتراجع الآخر، وغالباً مايكون ذلك بسبب رد فعل على تطرف آخر، أو يكون شكلاً من أشكال الاحتجاج على الاعتدال، لذلك نجد أن التطرف والتشدد ينتشران في مجتمعات تكثر فيها مظاهر التخلف والجهل والأزمات حيث تختلط العصبية بالقبلية بالخرافة والأحكام القطعية النهائية مع الروح العدائية، وهو مناخ توفره المجتمعات العربية.
سادساً- الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي: ظهر في المنطقة العربية منذ بداية عصر النهضة في نهاية القرن التاسع عشر، مفهوم الإصلاح السياسي والديني والثقافي، وتصدى كل من محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وجمال الدين الأفغاني لشعارات الإصلاح، وحملوا مشعل التنوير، ومن بعدهم طه حسن على سبيل المثال لا الحصر.
لكن مع سيطرة الافكار الشمولية على العقل العربي منذ تقريباً بداية النصف الثاني من القرن العشرين، تراجع مصطلح الإصلاح، لتحل مكانه مصطلحات أخرى بفعل الحاجة الملحة للتغيير الاجتماعي، مثل” الثورة والعنف الثوري” في مرحلة كانت المنطقة العربية تشهد مخاض الاستقلال عن المستعمر، واتسمت تلك المرحلة بالانقلابات العسكرية، وتم إهمال قضايا مثل الديمقراطية والحريات الأساسية للبشر بذريعة الأولويات، فسيطرت الأفكار الشمولية على الواقع السياسي العربي بالرغم من الاختلافات في طبيعة وشكل الحكم بين دولة عربية وأخرى، لكنها في نهاية المطاف بدرجة أو أخرى تعاني من غياب الحريات والديمقراطية والمحسوبية وتغلغل الفساد، وفشل معظم الدول العربية في تحقيق النهضة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وعوضاً عن ذلك قامت بحكم الشعب بالأسلوب المخابراتي القمعي.
سابعاً- الأمن المائي العربي: وهنا في الحقيقة أن المشكلة لا تكمن فقط في قلة المياه الصالحة للشرب في الوطن العربي، بل مايزيد الأمر سوءًا هو الاستثمار السيء لهذه الموارد، والآثار المدمرة للمياه الجوفية نتيجة التلوث من مياه الصرف في المدن وكذلك التلوث بسبب النفايات الصناعية.
ويكمن جزء مهم من مشكلة نقص المياة في العالم العربي أن الجزء لأكبر من مساحة الأراضي العربية تقع في العروض المدارية الحارة والجافة، مما يسرع من عملية تبخر المياه، أيضاً تعاني المنطقة العربية من عدم وفرة في المخزون المائي، والأسوأ أن العرب يتلقون نحو 63 في المائة من المياه من خارج حدود الوطن العربي، الأمر الذي يعني أن لدينا 16 بلداً عربياً لايمتلكون ثروة مائية ويقعون تحت خط الفقر المائي العام.
ثامناً- الأمن الغذائي العربي: إن العالم العربي يعاني من فجوة غذائية مزمنة في الفرق بين الإنتاج والطلب المتزايد عليه، حيث تعتمد الزراعة في العالم العربي بشكل رئيسي على مياه الأمطار، بحيث تبلغ المساحة المروية منها نحو 22 في المائة من إجمالي الأراضي الزراعية، كما أن نصيب الفرد العربي من المياه المخصة للري يقدر بنحو 800 متر مكعب في العام، بينما خط الفقر العالمي هو 1000 متر مكعب، وطبقاً لتقديرات الأمم المتحدة فإن نحو 60 في المائة من المياه المخصصة للري في الوطن العربي تذهب هدراً، بينما ذكر مدير المركز الدولي للبحوث الزراعية بالمناطق الجافةالمعروف”إيكاردا” أن الوطن العربي يستورد نحو 55 في المائة من احتاجاته الغذائية، بالرغم من توفر كل أسباب الزراعة من أراضي شاسعة وموارد بشرية متكدسة، ووجود التقنيات، والمياه بدرجة أقل، وبالرغم من أن 65 في المائة من السكان العرب يقطنون في الأرياف، وأن نحو 22 في المائة من قوة العمل العربية تعمل في الزراعة، إلا أن أغلب الدول العربية تستورد ملايين الأطنان من السلع الغذائية سنوياً بما قيمته مليارات الدولارات.
تاسعاً: مشكلة التعليم وتحديات العصر: إن المنظومة التعليمية في العالم العربي باتت تعاني من تضخم في المشكلات العميقة اليت علقت بها عبر العقود الماضية، إذ أن هناك مناهج تعليمية لم تمس ولم يجري عليها أي تحديث أو تطوير منذ إنشائها بعد تحقيق الاستقلال السياسي لبعض الدول العربية في منتصف القرن العشرين، وهذا أدى إلى عملية تعليمية ينتج عنها نشئ جاهل بتعليم ناقص لايتلائم مع روح العصر الذي نعيش فيه، وكثير من المعلومات التي يتلقاها الطلبة تظل علوم نظرية لاعلاقة لها بالواقع المعاش، تعتمد أسلوب التلقين وحشو المعلومات، نتج عنه تدني خطير في مستوى التعليم العربي.
إن التحدي الأكبر الذي يواجه العرب يتمثل في العلم والتعليم والتعلم والحصول على المعرفة وإدراك الوعي، من أجل النهوض بواقع الأمة وتحقيق التنمية والارتقاء بالفكر العربي ليواكب الطفرة العلمية والتكنولوجية للغرب، لا أن تظل جامعاتنا تمنح شهادات دون أن تخرج متعلمين.
من المؤسف والمخجل في آن عدم وجود أية جامعة عربية أو إسلامية في قائمة أفضل 100 جامعة على مستوى العالم، في حين احتلت الجامعة العبرية في القدس في المرتبة 71، كما أن العرب ينفقون فقط 2 في المائة من الناتج القومي على التعليم والبحث العلمي، بينما تنفق الدول المتطورة نحو 10 في المائة، وهذا يبرر ويشرح جزء من انخفاض مستوى وجودة التعليم في الوطن العربي.
إن الأمن القومي العربي بمفاصله المتعددة والمتنوعة لايتحقق بقرار سياسي، ولا عبر بناء الجيوش وتكديس الأسلحة فقط، ولا من خلال مئات الأجهزة الأمنية المنتشرة في البلدان العربية، بل أن الكلمة السحرية هنا هي الإنسان، أهم سلاح وأهم أداة لتحقيق هذا الأمن القومي العربي هو الإنسان العربي، فهو الذي يشكل لبنة بناء المجتمعات والدول، ومن أجله تبنى المؤسسات والجامعات، وبدونه لا توجد أوطان تدافع عنها الأنظمة العربية، فهو الأحق بالإئتمان على هذا الأمن، لكن للأسف مازال الإنسان العربي مغيّب عن كل شيء بسبب تعرضه للقمع والاستبداد والاضطهاد والملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية في معظم الدول العربية، ويعاني من الفقر والجوع والبطالة وتدني الخدمات الصحية وتراجع في المستوى التعليمي، ويكابد ضنك المعيشة في ظل ازدياد متواصل في أسعار السلع الأساسية التي يحتاجها، وانكماش غير مبرر في نصيبه من الدخل القومي.
إن هذا الإنسان العربي الذي تتجاهل وجوده واحتياجاته وتطلعاته معظم الأنظمة العربية، يشعر بالإغتراب في وطنه الذي حوله إلى إنسان لا يملك نفسه ويشعر بالعبودية والتهميش والحرمان، وبالتالي ضعف الإنتماء الوطني والتخبط في الهوية.
إن لم يتغير حال الإنسان العربي نحو تحريره من سجنه ومن رفع القبضة الأمنية الحديدية عن عنقه، ثم فتح الأبواب أمامه للمشاركة في اتخاذ القرارات التي تهمه، وإخراجه من وضع التجاهل إلى خانة المشاركة والاحترام، وتنظيم مشاركة المواطنين في الأنشطة المجتمعية العامة لرفع سوية وعيهم الثقافي، دون هذا لايمكن للعرب الحديث عن أي أمن قومي ولا عن أي خطط لتدعيم هذا الأمن، فالإنسان الذي يعاني الضياع في وطنه لايمكنه في حال من الأحوال الدفاع لا عن وطنه ولا عن نفسه، ولايمكن لشعوب منهزمة أن تحقق الأمن لنفسها ولأوطانها، وبالتالي لايمكنها مواجهة التحديات الكبيرة والجدية التي تهدد حاضر ومستقبل وثروات الأمة العربية.
الأمن القومي العربي لايستطيع مواجهة تحدياته إلا مواطن حر يشعر بالحرية وغير مستعبد، ويعيش في ظل نظام حر وليس عبداً لأحد، فالأوطان مثل الإنسان إن كانت تعاني من هزائم داخلية لايمكنها أن تواجه تحدياتها ولا أن تنتصر في معاركها